الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } * { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

افتتحت سورة " الممتحنة " بهذا النداء للمؤمنين، وقد تضمن هذا النداء نهيهم عن موالاة أعداء الله وأعدائهم. وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها، ما ذكره الإِمام الآلوسى فقال " نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة.. فقد أخرج الإِمام أحمد، والبخارى، ومسلم، وأبو داود، والترمذى، والنسائى، وابن حبان، وجماعة عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - قال بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - وهومكان بين مكة والمدينة - فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها فأتونى به فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجى الكتاب. فقالت ما معى من كتاب، فقلنا أخرجى الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه من حاطب بن أبى بلتعة، إلى أناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر النبى - صلى الله عليه وسلم -. فقال - صلى الله عليه وسلم - " ما هذا يا حاطب،؟ " فقال حاطب لا تعجل علىَّ يا رسول الله إنى كنت إنسانا ملصقا فى قريش، ولم أكن منها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتنى ذلك من النسب فيها، أن أصطنع إليهم يدا، يحمون بها قرابتى، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن الإِسلام. فقال عمر دعنى يا رسول الله أضرب عنقه، فقال، - صلى الله عليه وسلم - " إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فنزلت هذه الآيات. وقد ذكروا أن هذه القصة كانت فى الوقت الذى أعد فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - العدة لأجل العمرة، سنة صلح الحديبية، وقيل كانت هذه القصة فى الوقت الذى تهيأ النبى - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة، وكان من بين الذين علموا ذلك حاطب بن أبى بلتعة. والمراد بالعدو هنا الأعداء عموما، ويدخل فيهم دخولا أولياء كفار قريش، الذين أرسل إليهم حاطب بن أبى بلتعة خطابه، لكى يحذرهم من مهاجمة المسلمين لهم. والمراد بالعداوة العداوة الدينية التى جعلت المشركين، يحرصون كل الحرص على أذى المسلمين، أى يامن آمنتم بالله - تعالى - إيمانا حقا، احذروا أن تتخذوا أعدائى وأعداءكم أولياء وأصدقاء وحلفاء. بل جاهدوهم وأغلظوا عليهم، واقطعوا الصلة التى بينكم وبينهم. وناداهم بصفة الإِيمان، لتحريك حرارة العقيدة الدينية فى قلوبهم ولحضهم على الاستجابة لما نهاهم عنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6