الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

{ وَإِذَ أَسَرَّ } / أي واذكر إذ أسر { ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوٰجِهِ } هي حفصة على ما عليه عامة المفسرين، وزعم بعض الشيعة أنها عائشة وليس له في ذلك شيعة، نعم رواه ابن مردويه عن ابن عباس وهو شاذ { حَدِيثاً } هو قوله عليه الصلاة والسلام على ما في بعض الروايات: " لكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً " { فَلَمَّا نَبَّأَتْ } أي أخبرت. وقرأ طلحة ـ أنبأت ـ { بِهِ } أي بالحديث عائشة لأنهما كانتا متصادقتين. وتضمن الحديث نقصان حظ ضرتهما زينب من حبيبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إنه عليه الصلاة والسلام ـ كما في البخاري وغيره ـ كان يمكث عندها لشرب ذلك وقد اتخذ ذلك عادة، كما يشعر به لفظ ـ كان ـ فاستخفها السرور فنبأت بذلك { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أي جعل الله تعالى النبـي صلى الله عليه وسلم ظاهراً على الحديث مطلعاً عليه من قوله تعالى:لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } [التوبة: 33] والكلام على ما قيل: على التجوز، أو تقدير مضاف أي على إفشائه، وجوز كون الضمير لمصدر { نَبَأتُ } وفيه تفكيك الضمائر، أو جعل الله تعالى الحديث ظاهراً على النبـي صلى الله عليه وسلم فهو نظير ظهر لي هذه المسألة وظهرت عليَّ إذا كان فيه مزيد كلفة واهتمام بشأن الظاهر فلا تغفل.

{ عَرَّفَ } أي النبـي صلى الله عليه وسلم حفصة { بَعْضَهُ } أي الحديث أي أعلمها وأخبرها ببعض الحديث الذي أفشته. والمراد أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: قلت كذا لبعض ما أسره إليها قيل: هو قوله لها: " كنت شربت عسلاً عند زينب ابنة جحش فلن أعود " { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } هو على ما قيل قوله عليه الصلاة والسلام: " وقد حلفت " فلم يخبرها به تكرماً لما فيه من مزيد خجلتها حيث إنه يفيد مزيد اهتمامه صلى الله عليه وسلم بمرضاة أزواجه وهو لا يحب شيوع ذلك، وهذا من مزيد كرمه صلى الله عليه وسلم. وقد أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه: ما استقصى كريم قط، وقال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام، وقال الشاعر:
ليس الغبـي بسيد في قومه   لكن سيد قومه المتغابـي
وجوز أن يكون { عَرَّفَ } بمعنى جازى أي جازاها على بعض بالعتب واللوم أو بتطليقه عليه الصلاة والسلام إياها، وتجاوز عن بعض، وأيد بقراءة السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي وأبـي عمرو في رواية هارون عنه { عرف } بالتخفيف لأنه على هذه القراءة لا يحتمل معنى العلم لأن العلم تعلق به كله بدليل قوله تعالى: { أَظْهَرهُ ٱللَّهُ عَلَيهِ } مع أن الإعراض عن الباقي يدل على العلم فتعين أن يكون بمعنى المجازاة.

السابقالتالي
2 3