اللغَة: { ٱلطَّارِقُ } مأخوذ من الطرق بمعنى الضرب بشدة ومنه المطرقة، وكل ما جاء بليل يسمى طارقاً { دَافِقٍ } مصبوب بقوة وشدة يقال: دفق الماء دفقاً إِذا انصبَّ بدفع وشدة { ٱلتَّرَآئِبِ } عظام الصدر جمع تريبة مثل فصيلة وفصائل قال امرؤ القيس:
" تَرائبُها مصقولةٌ كالسجنجل "
{ ٱلرَّجْعِ } المطر سمي به لرجوعه إِلى الأرض مراراً { ٱلصَّدْعِ } النبات الذي تنشق عنه الأرض { رُوَيْداً } قليلاً أو قريباً. التفسِير: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } أي أٌقسم بالسماءِ وبالكواكب النيرة، التي تظهر ليلاً وتختفي نهاراً قال المفسرون: سُمي النجم طارقاً لأنه إِنما يظهر بالليل ويختفي بالنهار، وكلُّ ما يجيء ليلاً فهو طارق { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } استفهام للتفخيم والتعظيم أي وما الذي أعلمك يا محمد ما حقيقة هذا النجم؟ ثم فسره بقوله { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي النجم المضيء الذي يثقب الظلام بضيائه قال الصاوي: قد كثر منه تعالى في كتابه المجيد ذكرُ الشمس والقمر والنجوم، لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها، ومغاربها عجيبة دالة على انفراد خالقها بالكمالات، لأن الصّنعة تدل على الصانع { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } هذا جواب القسم أي ما كلُّ نفسٍ إِلا عليها حافظ من الملائكة، يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خيرٍ وشر كقوله{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ } [الانفطار: 10-11] قال ابن كثير: أي كلُّ نفسٍ عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات.. ثم أمر تعالى بالنظر والتفكر في خلق الإِنسان، تنبيهاً على إِمكان البعث والحشر فقال { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ }؟ أي فلينظر الإِنسان في أول نشأته نظرة تفكرٍ واعتبار، من أي شيءٍ خلقه الله؟ { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي خلق من المنيّ المتدفق، الذي ينصب بقوةٍ وشدة، يتدفق من الرجل والمرأة فيتكون منه الولد بإِذن الله { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } أي يخرج هذا الماء من بين الصلب وعظم الصدر، من الرجل والمرأة { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } أي إِن الله تعالى الذي خلق الإِنسان ابتداءً، قادر على إِعادته بعد موته قال ابن كثير: نبه تعالى الإِنسان على ضعف أصله الذي خلق منه، وأرشده إِلى الاعتراف بالمعاد، لأن من قدر على البداءة، فهو قادر على الإِعادة بطريق الأولى { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي يوم تمتحن القلوب وتختبر، ويُعرف ما بها من العقائد والنيات، ويميز بين ما طاب منها وما خبث { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } أي فليس للإِنسان في ذلك الوقت قوة تدفع عنه العذاب، ولا ناصر ينصره ويجيره، قال في التسهيل: لما كان دفع المكاره في الدنيا إِما بقوة الإِنسان، أو بنصرة غيره له، أخبره الله تعالى أنه يعدمها يوم القيامة، فلا قوة له في نفسه، ولا أحد ينصره من الله.