الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

هذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في دار النَّدْوة فٱجتمع رأيهم على قتله فبيّتوه، ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عز وجل أن يُعمي عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غَشيَهم النوم، فوضع على رؤوسهم تراباً ونهض. فلما أصبحوا خرج عليهم عليٌّ فأخبرهم أن ليس في الدار أحد، فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا. الخبر مشهور في السيرة وغيرها. ومعنى «لِيُثْبِتُوكَ» ليحبسوك يقال: أثبتّه إذا حبسته. وقال قتادة: «لِيُثْبِتُوكَ» وثَاقاً. وعنه أيضاً وعبدِ الله بن كَثير: ليسجنوك. وقال أبَان بن تَغْلِب وأبو حاتم: ليثخنوك بالجراحات والضرب الشديد. قال الشاعر:
فقلتُ ويحكما ما في صحيفتكم   قالوا الحليفة أمسى مُثبتاً وجعا
{ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } عطف. { وَيَمْكُرُونَ } مستأنف. والمكر: التدبير في الأمر في خفية. { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } ٱبتداء وخبر. والمكر من الله هو جزاؤهم بالعذاب على مكرهم من حيث لا يشعرون.