الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المتقين إذا سئلوا عما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قالوا أنزل عليه خيراً. أي رحمة وهدى وبركة لمن اتبعه وآمن به. ويفهم من صفة أهل هذا الجواب بكونهم متقين - أن غير المتقين يجيبون جواباً غير هذا. وقد صرح تعالى بهذا المفهوم في قوله عن غير المتقين وهم الكفاروَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } النحل 24 كما تقدم. قوله تعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من أحسن عمله في هذه الدار التي هي الدنيا كان له عند الله الجزاء الحسن في الآخرة. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة. كقولهلِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } يونس 26 الآية. والحسنى الجنة. والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم. وقولهوَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } النجم 31، وقولههَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } الرحمن 60. وقولهمَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } النمل 89، وقوله في هذه الآية { حسنة } أي مجازاة حسنة بالجنة ونعيمها. والآيات في مثل ذلك كثيرة. قوله تعالى { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن دار الآخرة خير من دار الدنيا. وكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة، كقولهوَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ } القصص 80 الآية. وقولهوَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } آل عمران 198، وقولهبَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } الأعلى 16-17، وقولهوَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } الضحى 4، وقولهزُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ } آل عمران 14-15 الآية. وقوله { خير } صيغة تفضيل، حذفت همزتها لكثرة الاستعمال تخفيفاً. وإليه أشار ابن مالك في الكافية بقوله
وغالباً أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر   
وإنما قيل لتلك الدار الدار الآخرة. لأنها هي آخر المنازل، فلا انتقال عنها ألبتة إلى دار أخرى. والإنسان قبل الوصول إليها ينتقل من محل إلى محل. فأول ابتدائه من التراب، ثم انتقل من أصل التراب إلى أصل النطفة، ثم إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم إلى العظام، ثم كسا الله العظام لحماً، وأنشأها خلقاً آخر، وأخرجه للعالم في هذه الدار، ثم ينتقل إلى القبر، ثم إلى المحشر، ثم يتفرقونيَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } الزلزلة 6 فسالك ذات اليمين إلى الجنة، وسالك ذات الشمال إلى النار

السابقالتالي
2