الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }

{ أَوَ لَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } تجهيل لهم بتقصيرهم عن التدبر في الآيات التكوينية الدالة على عظيم قدرته وتصرفه وكون جميع ما سواه مقهوراً تحت ملكوته على وجه ينتفعون به ويعلمون أن من كان كذلك لا ينبغي أن يعدل عن عبادته إلى عبادة حجر أو نحوه مما لا يضر ولا ينفع، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر. وقرأ ابن كثير وحميد وابن محيصن بغير واو، والرؤية قلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا { أَن ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا } الضمير للسماوات والأرض، والمراد من السماوات طائفتها ولذا ثنى الضمير ولم يجمع، ومثل ذلك قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فاطر: 40] وكذا قول الأسود بن يعفر:
إن المنية والحتوف كلاهما   دون المحارم يرقبان سوادي
وأفرد الخبر أعني قوله تعالى: { رَتْقاً } ولم يثن لأنه مصدر، والحمل إما بتأويله بمشتق أو لقصد المبالغة أو بتقدير مضاف أي ذاتي رتق، وهو في الأصل الضم والالتحام خلقة كان أم صنعة، ومنه الرتقاء الملتحمة محل الجماع. وقرأ الحسن وزيد بن علي وأبو حيوة وعيسى { رَتْقاً } بفتح التاء وهو اسم المرتوق كالنقض والنقض فكان قياسه أن يثني هنا ليطابق الاسم فقال الزمخشري: هو على تقدير موصوف أي كانتا شيئاً رتقاً وشيء اسم جنس شامل للقليل والكثير فيصح الإخبار به عن المثنى كالجمع، ويحسنه أنه في حالة الرتقية لا تعدد فيه.

وقال أبو الفضل الرازي: الأكثر في هذا الباب أن يكون المتحرك منه اسماً بمعنى المفعول والساكن مصدراً وقد يكونان مصدرين، والأولى هنا كونهما كذلك وحينئذ لا حاجة إلى ما قاله الزمخشري في توجيه الإخبار، وقد أريد بالرتق على ما نقل عن أبـي مسلم الأصفهاني حالة العدم إذ ليس فيه ذوات متميزة فكان السماوات والأرض أمر واحد متصل متشابه وأريد بالفتق وأصله الفصل في قوله تعالى: { فَفَتَقْنَـٰهُمَا } الإيجاد لحصول التمييز وانفصال بعض الحقائق عن البعض به فيكون كقوله تعالى:فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الأنعام: 14] بناء على أن الفطر الشق وظاهره نفي تمايز المعدومات، والذي حققه مولانا الكوراني في «جلاء الفهوم» وذب عنه حسب جهده أن المعدوم الممكن متميز في نفس الأمر لأنه متصور ولا يمكن تصور الشيء إلا بتميزه عن غيره وإلا لم يكن بكونه متصوراً أولى من غيره ولأن بعض المعدومات قد يكون مراداً دون بعض ولولا التميز بينها لما عقل ذلك إن القصد إلى إيجاد غير المتعين ممتنع لأن ما ليس بمتعين في نفسه لم يتميز القصد إليه عن القصد إلى غيره، وقد يقال على هذا: يكفي في تلك الإرادة عدم تمايز السماوات والأرض في حالة العدم نظراً إلى الخارج المشاهد، وأياً ما كان فمعنى الآية ألم يعلموا أن السماوات والأرض كانتا معدومتين فأوجدناهما، ومعنى علمهم بذلك تمكنهم من العلم به بأدنى نظر لأنهما ممكنان والممكن باعتبار ذاته وحدها يكون معدوماً واتصافه بالوجود لا يكون إلا من واجب الوجود.

السابقالتالي
2 3 4