الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَمَا تَشَاءونَ } أي شيئاً أو اتخاذ السبيل { إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } أي إلا وقت مشيئة الله تعالى لمشيئتكم وقال الزمخشري أي وما تشاؤن الطاعة إلا أن يشاء الله تعالى قسركم عليها وهو تحريف للآية بلا دليل ويلزمه على ما في «الانتصاف» أن مشيئة العبد لا يوجد إلا إذا انتفت وهو عن مذهب الاعتزال بمعزل وأبعد منزل، والظاهر ما قررنا لأن المفعول المحذوف هو المذكور أولاً كما تقول لو شئت لقتلت زيداً أي لو شئت القتل لا لو شئت زيداً ولا يمكن للمعتزلة أن ينازعوا أهل الحق في ذلك لأن المشيئة ليست من الأفعال الاختيارية وإلا لتسلسلت بل الفعل المقرون بها منها فدعوى استقلال العبد مكابرة وكذلك دعوى الجبر المطلق مهاترة والأمر بين الأمرين لإثبات المشيئتين. وحاصله على ما حققه الكوراني أن العبد مختار في أفعاله وغير مختار في اختياره، والثواب والعقاب لحسن الاستعداد النفس الأمري وسوئه فكل يعمل على شاكلته وسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

وفي «التفسير الكبير» هذه الآية من الآيات التي تلاطمت فيها أمواج القدر والجبر فالقدري يتمسك بالجملة الأولى ويقول إن مفادها كون مشيئة العبد مستلزمة للفعل وهو مذهبـي، والجبري يتمسك بضم الجملة الثانية ويقول إن مفادها أن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد فيتحصل من الجملتين أن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد وأن مشيئة العبد مستلزمة لفعل العبد كما تؤذن به الشرطية فإذن مشيئة الله تعالى مستلزمة لفعل العبد لأن مستلزم المستلزم مستلزم وذلك هو الجبر وهو صريح مذهبـي. وتعقب بأن هذا ليس بالجبر المحض المسلوب معه الاختيار بالكلية بل يرجع أيضاً إلى أمر بين أمرين.

وقدر بعض الأجلة مفعول { يَشَاء } الاتخاذ والتحصيل رداً للكلام على الصدر فقال إن قوله سبحانه { وَمَا تَشَاءونَ } الخ تحقيق للحق ببيان أن مجرد مشيئتهم غير كافية في اتخاذ السبيل كما هو المفهوم من ظاهر الشرطية أي وما تشاؤون اتخاذ السبيل ولا تقدرون على تحصيله في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى اتخاذه وتحصيله لكم إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب وإنما التأثير والخلق لمشيئة الله عز وجل وفيه نوع مخالفة للظاهر كما لا يخفى. نعم قيل إن ظاهر الشرطية أن مشيئة العبد مطلقاً مستلزمة للفعل فيلزم أنه متى شاء فعلاً فعله مع أن الواقع خلافه فلا بد مما قاله هذا البعض وجعل الجملة الثانية تحقيقاً للحق. وأجيب بأنها للتحقيق على وجه آخر وذلك أن الأولى أفهمت الاستلزام والثانية بينت أن هذه المشيئة المستلزمة لا تتحقق إلا وقت مشيئة الله تعالى إياها / فكأنه قيل وما تشاؤون مشيئة تستلزم الفعل إلا وقت أن يشاء الله تعالى مشيئتكم تلك فتأمل.

السابقالتالي
2