الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } فإنّ ما جئت به من عنده مبيّن لصفاته وأوامره ونواهيه والمحب حريص على معرفة المحبوب ومعرفة ما يأمر به وينهى عنه ليتقرّب إليه بمعرفة قدره وإمتثال أمره مع إجتناب نهيه ويكون بذلك أهلاً لمحبّته سبحانه ومستحقّاً لأن يغفر له ذنوبه. قيل إنّ الآية نزلت كالجواب لقوم ادّعوا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أنّهم يحبّون ربّهم وما من أحد يؤمن بالله ولو بطريق التقليد والاتّباع لغيره إلاّ وهو يدّعي حبّه. وقيل إنّها نزلت ليخاطب بها نصارى نجران الذين ادّعوا كما يدّعي أهل ملّتهم أنهم أبناء الله وأحبّاؤه. نعم إنّ أوائل هذه السورة نزلت إذ كان وفد نجران في المدينة ويصحّ أن تكون ممّا يحتجّ به عليهم ولكن الخطاب فيها عامّ، وحجّة على أهل الدعوى في كلّ زمان ومكان، وما قيمة الدعوى يكذّبها العمل، وكيف يجتمع الحبّ مع الجهل بالمحبوب وعدم العناية بأمره ونهيه.
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه   هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطعته   إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
{ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } السابقة من الاعتقاد الباطل والأعمال السّيئة لأنّ هذا الاتّباع هو الاعتقاد الحقّ والعمل الصالح وهما يمحوان من النفس ظلمة الباطل، ويزيلان منها آثار المعاصي والرذائل، وهذا هو عين المغفرة فالمغفرة أثر فطري للإيمان والعمل الصالح بعد ترك الذنوب كما أنّ العقاب أثر طبيعي للكفر والمعاصي { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } جعل للمغفرة سنّة عادلة وبيّنها برحمته وإحسانه لعباده وهي تزكية النفس بالإتّباع الذي أكّد الأمر به وبيّن أنّ عاقبة الإعراض عنه الحرمان من حبّ الله تعالى فقال:

{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } باتّباع كتابه { وَٱلرَّسُولَ } باتّباع سنته والاهتداء بهديه { فإِن تَوَلَّوْاْ } وأعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غروراً منهم بدعواهم أنّهم محبّون لله وأنّهم أبناؤه وأحبّاؤه { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } الذين تصرفهم أهواؤهم عن النظر الصحيح في آيات الله وما أنزله على رسوله وترك الشرك والضلال الذي نهيت عنه واتّباع الحقّ في الاعتقاد الذي بيّنته والعمل الصالح الذي أرشدت إليه. هؤلاء هم الكافرون وإن ادّعوا أنّهم مؤمنون وأنّهم يحبّون الله والله يحبّهم.

هذا ما نراه كافياً في فهم الآيات وليس عندنا فيها عن الأستاذ الإمام شيء. وإنّ من الباحثين من يخفى عليه معنى حبّ الله للناس وحبّهم إيّاه، فنوضّح ذلك بعض الإيضاح.

حبّ الناس لله يجهله من يعيش كما تعيش الديدان والبهائم لا يشغله إلا هم قبقبه وذبذبه ويعرفه الحكماء الربّانيون والمؤمنون الصالحون ويمكن تقريبه من فهم الجاهل المستعدّ للعلم وتشويقه إليه بإرشاده إلى مراجعة فطرته والبحث في أسباب حبّ الناس لكثير من الأشياء التي لا يحبّها حيوان آخر.

السابقالتالي
2 3