الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

/ { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى } ذهب عامة المتكلمين إلى أن المحبة نوع من الإرادة وهي لا تتعلق حقيقة إلا بالمعاني والمنافع فيستحيل تعلقها بذاته تعالى وصفاته فهي هنا بمعنى إرادة العبد اختصاصه تعالى بالعبادة وذلك إما من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم أو من باب الاستعارة التبعية بأن شبه إرادة العبد ذلك ورغبته فيه بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلاً لا يلتفت معه إلا إليه أو من باب مجاز النقص أي ـ إن كنتم تحبون طاعة الله تعالى أو ثوابه فاتبعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه ـ كذا قيل، وهو خلاف مذهب العارفين من أهل السنة والجماعة فإنهم قالوا: المحبة تتعلق حقيقة بذات الله تعالى وينبغي للكامل أن يحب الله سبحانه لذاته وأما محبة ثوابه فدرجة نازلة، قال الغزالي عليه الرحمة في «الإحياء»: ((الحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء الملذ فإن تأكد ذلك الميل وقوي يسمى عشقاً، والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب فإذا قوي سمي مقتاً، ولا يظن أن الحب مقصور على مدركات الحواس الخمس حتى يقال: إنه سبحانه لا يدرك بالحواس ولا يتمثل بالخيال فلا يحب لأنه صلى الله عليه وسلم سمى الصلاة ـ قرة عين ـ وجعلها أبلغ المحبوبات، ومعلوم أنه ليس للحواس الخمس فيها حظ بل حس سادس مظنته القلب والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر والقلب أشد إدراكاً من العين وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار فتكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلۤهية التي تجل أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى، ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما في إدراكه لذة فلا ينكر إذاً حب الله تعالى إلا من قعد به القصور في درج البهائم فلم يجز إدراكه الحواس أصلاً))، نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الوراق:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه   هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته   إن المحب لمن يحب مطيع
والقول بأن المحبة تقتضي الجنسية بين المحب والمحبوب ـ فلا يمكن أن تتعلق بالله تعالى ـ ساقط من القول لأنها قد تتعلق بالأعراض بلا شبهة ولا جنسية بين العرض والجوهر.

{ يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } جواب الأمر وهو رأي الخليل. وأكثر المتأخرين على أن مثل ذلك جواب شرط مقدر أي إن تتبعوني يحببكم أي يقربكم ـ رواه ابن أبـي حاتم عن سفيان بن عيينة، وقيل: يرض عنكم وعبر عن ذلك بالمحبة على طريق المجاز المرسل أو الاستعارة أو المشاكلة، وجعل بعضهم نسبة المحبة لله تعالى من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله تعالى.

السابقالتالي
2