الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ }

ثم قال تعالى: { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } قال الزمخشري: هي جملة معترضة بين كلامين وذلك لأن قوله تعالى: { لِكُلّ أَوَّابٍ } بدل عن المتقين كأنه تعالى قال: أزلفت الجنة للمتقين لكل أواب كما في قوله تعالى:لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ } [الزخرف: 33] غير أن ذلك بدل الاشتمال وهذا بدل الكل وقال: { هَـٰذَا } إشارة إلى الثواب أي هذا الثواب ما توعدون أو إلى الإزلاف المدلول عليه بقوله:أُزْلِفَتْ } [قۤ: 31] أي هذا الإزلاف ما وعدتم به، ويحتمل أن يقال هو كلام مستقل ووجهه أن ذلك محمول على المعنى لا ما يوعد به يقال للموعود هذا لك وكأنه تعالى قال هذا ما قلت إنه لكم. ثم قال تعالى: { لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } بدلاً عن الضمير في { تُوعَدُونَ } ، وكذلك إن قرىء بالياء يكون تقديره هذا لكل أواب بدلاً عن الضمير، والأواب الرجاع، قيل هو الذي يرجع من الذنوب ويستغفر، والحفيظ الحافظ للذي يحفظ توبته من النقض. ويحتمل أن يقال الأواب هو الرجاع إلى الله بفكره، والحفيظ الذي يحفظ الله في ذكره أي رجع إليه بالفكر فيرى كل شيء واقعاً به وموجداً منه ثم إذا انتهى إليه حفظه بحيث لا ينساه عند الرخاء والنعماء، والأواب الحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ، وفيه وجوه أخر أدق، وهو أن الأواب هو الذي رجع عن متابعة هواه في الإقبال على ما سواه، والحفيظ هو الذي إذا أدركه بأشرف قواه لا يتركه فيكمل بها تقواه ويكون هذا تفسيراً للمتقي، لأن المتقي هو الذي أتقى الشرك والتعطيل ولم ينكره ولم يعترف بغيره، والأواب هو الذي لا يعترف بغيره ويرجع عن كل شيء غير الله تعالى، والحفيظ هو الذي لم يرجع عنه إلى شيء مما عداه.