الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

لما ذكر الله قيل المكذبين بما أنزل الله، ذكر ما قاله المتقون، وأنهم اعترفوا وأقروا بأن ما أنزله الله نعمة عظيمة، وخير عظيم امتن الله به على العباد، فقبلوا تلك النعمة، وتلقوها بالقبول والانقياد، وشكروا الله عليها، فعلموها وعملوا لها { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } في عبادة الله تعالى، وأحسنوا إلى عباد الله، فلهم { فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } رزق واسع، وعيشه هنية، وطمأنينة قلب، وأمن وسرور. { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } من هذه الدار، وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات، فإن هذه نعيمها قليل، محشو بالآفات منقطع، بخلاف نعيم الآخرة، ولهذا قال: { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } أي: مهما تمنته أنفسهم، وتعلقت به إرادتهم، حصل لهم على أكمل الوجوه وأتمها، فلا يمكن أن يطلبوا نوعاً من أنواع النعيم الذي فيه لذة القلوب وسرور الأرواح، إلا وهو حاضر لديهم، ولهذا يعطي الله أهل الجنة كل ما تمنوه عليه، حتى إنه يُذَكِّرهُم أشياء من النعيم لم تخطر على قلوبهم. فتبارك الذي لا نهاية لكرمه، ولا حد لجوده، الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته، وصفات أفعاله وآثار تلك النعوت، وعظمة الملك والملكوت، { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } لسخط الله وعذابه بأداء ما أوجبه عليهم من الفروض والواجبات، المتعلقة بالقلب والبدن واللسان، من حقه وحق عباده، وترك ما نهاهم الله عنه. { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } مستمرين على تقواهم { طَيِّبِينَ } أي: طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق إليهم، ويخل في إيمانهم، فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته، وألسنتهم بذكره والثناء عليه، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه، { يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } أي: التحية الكاملة حاصلة لكم، والسلامة من كل آفة. وقد سلمتم من كل ما تكرهون { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من الإيمان بالله والانقياد لأمره، فإن العمل هو السبب والمادة والأصل في دخول الجنة والنجاة من النار، وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم، لا بحولهم وقوتهم.