قوله: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ... } الآية. لما قال: لله ما في السماوات والأرض أوهم تناهي ملكه لانحصار ما في السموات والأرض فيهما وحكم العَقْلِ الصريح بتناهيهما بين أن في قدرته وعلمه عجائبَ لا نهاية لها فقال: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } يكتب بها والأبحر مداد لا تغني عجائب صنع الله، قال المفسرون نزل بمكة قوله تَعَالَى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [الإسراء: 85]، إلى قوله:{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الأسراء: 85] فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أتاه أحبار اليهود فقالوا يا محمد: بلغنا أنك تقول: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، أفَعَنَيْتَنَا أَمْ قَوْمَكَ؟ فقال - عليه السلام -: كلا قد عنيت. قالوا: ألست تتلو فيما جاءك إنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هي في علم الله قليلٌ، وقد أتاكم ما إن عملتم به انتفعتم قالوا يا محمد: كيف تزعم هذا وأنت تقول: { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } فكيف يجمع هذا علم قليل وخير كثير " ؟ فأنزل الله هذه الآية. وقال قتادة: إن المشركين قالوا: إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفدَ فينقطع فنزلت: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ }. ووحَّد الشجرة، وجمعَ الأقلام ولم يقل: ولو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام ولم يقل من شجرة قَلَم إشارةً إلى التكثير يعني لو أن بعدد كُلِّ شجرة أقلاماً, قال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل: من شجرة بالتوحيد؟ قلت: أريد تفصيل الشجرة وتَقَصِّيها شجرةً شجرةً حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاماً. قال أبو حيان: وهو من وقوع المفرد موقع الجمع والنكرة موضع المعرفة كقوله:{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } [البقرة: 106] قال شهاب الدين: وهذا يذهب بالمعنى الذي أبداه الزمخشري. قوله: " والبَحْرُ " قرأ أبو عمرو بالنصب، والباقون بالرفع، فالنصب من وجهين: أحدهما: العطف على اسم " أنَّ " أي ولو أنَّ البحرَ، و " يَمُدُّهُ " الخبر. والثاني: النصب بفعل مضمر يفسره " يمده ". والواو حينئذ للحال، والجملة حالية، ولم يحتج إلى ضمير رابط بين الحال وصاحبها للاستغناء عنه بالواو، والتقدير: ولو أَنَّ الَّذي في الأرض حَالَ كونِ البحر ممدوداً بكذا. وأما الرفع، فمن وجهين: أحدهما: العطف على " أن " وما في حيّزها، وقد تقدم في " أَنَّ " الواقعة بعد " لو " مذهبان مذهب سيبويه الرفع على الابتداء، ومذهب المبرد على الفاعلية بفعل مقدر وهما عائدان هنا. فعلى مذهب سيبويه يكون تقدير العطف ولو أَنَّ البحرَ، إلا أن أبا حيان قال: إنه لا يلي المبتدأ اسماً صريحاً إلا في ضرورة كقوله: