وقوله تعالى: { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ... } الآية، مخاطبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فيها توعُّدٌ لقرَيْشٍ وتَحْذِيرُ أنْ يَنْزلَ بهمْ مِنَ العَذَابِ مَا نَزَلَ بقَومِ حَبِيبٍ النَّجَّار.
قال مجاهد: لَم يُنْزِلِ اللَّهُ عَليهم من جُنْدٍ أرادَ أنه لم يُرْسِل إليهم رَسُولاً ولاَ اسْتَعْتَبَهُمْ، قال قتادة: وَاللَّهِ، ما عَاتَبَ اللَّهُ قَوْمَهُ بَعْدِ قَتْلِه حَتَّى أهْلَكَهُمْ.
وقال ابن مسعود: أراد: لَمْ يَحْتَجْ فِي تَعْذِيبهِمْ إلى جُنْدٍ، بلْ كَانَتْ صَيْحَةٌ واحِدَةٌ؛ لأنهم كانُوا أيْسَرَ وأهْوَنَ من ذلك، واخْتُلِفَ في قوله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } فقالتْ فرقة: «ما» نافيةٌ، وقالت فرقة: «ما» عَطْفٌ عَلَى جندٍ، أي: من جند ومن الذي كنَّا منزلينَ على الأممِ مثلهم قبلَ ذلكَ، و«خامدون» أي: ساكنُونَ موتَى.
وقوله تعالى: { يٰحَسْرَةً } الحسرةُ التَلَهُّفُ: وذلك أن طِباعَ كُلِّ بَشَرٍ تُوجِبُ عَنْدَ سَمَاعِ حَالِهِمْ وعَذَابِهم على الكُفْرِ وَتَضْييِعِهم أمْرَ اللَّهَ، أن يُشْفِقَ وَيَتَحَسَّرَ على العِبَاد، وقال الثَّعْلَبِيُّ: قال الضَّحَّاك: إنها حسرةُ الملائِكَة على العباد في تكذيبِهمُ الرسلُ، وقال ابن عباس: حلُّوا مَحَلَّ مَنْ يَتَحَسَّرُ عَلَيْهِ، انتهى. وقرأ الأعرج وأبو الزنَاد ومسلم بن جندب: (يا حَسْرَهْ) بالوقفِ على الهاء وهو أبلغ في معنى التَحَسُّرِ والتَّشْفِيقِ وهَزِّ النَفْسِ.
وقوله تعالى: { مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ... } الآية، تمثيلٌ لِفِعْلِ قُرَيْشٍ؛ وإيَّاهم عَنى بقوله: { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا } ، وقرأ جمهورُ الناس «لما جَمِيعٌ» ـــ بتخفيف الميم ـــ، وذلك على زيادة «ما» للتأكيد والمعنى: لَجَمِيعٌ، وقرأ عاصمٌ والحسَنُ وابن جبير (لمَّا) ـــ بشدِّ الميم ـــ، قالوا: هي بمنزلة «إلاَّ» و { مُحْضَرُونَ } قال قتادة: مُحَشَّرُونَ يوم القيامة.