الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } قال القرطبيّ: يقال: فرغت من الشغل أفرغ فراغاً وفروغاً، وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته. والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه، وإنما المعنى: سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم، فهو وعيد لهم وتهديد، كقول القائل لمن يريد تهديده: إذاً أتفرغ لك، أي: أقصدك.

وقال الزجاج: الفراغ في اللغة على ضربين: أحدهما الفراغ من الشغل، والآخر القصد للشيء. والإقبال عليه، كما هنا، وهو تهديد ووعيد، تقول: قد فرغت مما كنت فيه، أي: قد زال شغلي به. وتقول: سأفرغ لفلان، أي: سأجعله قصدي. فهو على سبيل التمثيل، شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة، من الأخذ في الجزاء، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين، بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي، والإماتة والإحياء، والمنع والإعطاء، وأنه لا يشغله شأن عن شأن بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر، إذا فرغ من ذلك الشغل، شرع في آخر. وجازت الاستعارة التصريحية أيضاً. وقد ألم به صاحب (المفتاح) حيث قال: الفراغ: الخلاص عن المهام. والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن، وقع مستعاراً للأخذ في الجزاء وحده.

لطيفة

ترسم { أَيُّهَ } بغير ألف، وأما في النطق فقرأ أبو عمرو الكسائي: (أيها) بالألف في الوقف، ووقف الباقون على الرسم (أيه) بتسكين الهاء، وفي الوصل قرأ ابن عامر (أيهُ) برفع الهاء، والباقون بنصبها.

و { ٱلثَّقَلاَنِ } تثنية (ثَقَل) بفتحتين، فَعَل بمعنى مفعل؛ لأنهما أثقلا الأرض، أو بمعنى مفعول، لأنهما أُثقلا بالتكاليف. وقال الحسن: لثقلهما بالذنوب.

والخطاب في { لَكُمْ } قيل: للمجرمين، لكن يأباه قوله: (أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ) نعم! المقصود بالتهديد هم، ولا مانع من تهديد الجميع - كما أفاده الشهاب - ولا يفهم من هذا اللفظ الكريم وعيد بحت، بل هو حامل للوعد أيضاً؛ لأن المعنى: سنفرغ لحسابكم، فنثيب أهل الطاعة، ونعاقب العصاة، وهو جليّ. ولذا اعتد ذلك نعمة عليهم بقوله: { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي: من ثوابه أهلَ طاعته، وعقابه أهلَ معصيته.