الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } * { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } * { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }

{ فَلاَ صَدَّقَ } أي: بالدين والكتاب. أو صدق ماله، أي: ما زكاه { وَلاَ صَلَّىٰ } أي: الصلاة التي هي رأس العبادات، التي سها عنها. { وَلَـٰكِن كَذَّبَ } أي: بدل التصديق { وَتَوَلَّىٰ } أي: بدل الصلاة التي بها كمال التوجه إلى الله تعالى { ثُمَّ } أي: مع هذه التقصيرات في جنب الله تعالى: { ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي: يتبختر في مشيته.

وأصله (يتمطط) أي: يتمدد؛ لأن المتبختر يمد خطاه.

تنبيهات

الأول: الضمير في الآيات للإنسان المتقدم في قوله تعالى: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ }.

الثاني: قال الرازي: إنه تعالى شرح كيفية عمله فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه، وفيما يتعلق بدنياه. أما ما يتعلق بأصول الدين فهو أنه ما صدق بالدين, ولكن كذب به. وأما ما يتعلق بفروع الدين فهو أنه ما صلى، ولكنه تولى، وأعرض. وأما ما يتعلق بدنياه، فهو أنه ذهب على أهله يتمطى ويختال في مشيته.

الثالث: دلت الآية على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة، كما يستحقهما بترك الإيمان.

الرابع: قال الرازي: قال أهل العربية: (لا) ههنا في موضع (لم) فقوله: { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } أي: لم يصدق ولم يصل، وهو كقوله:فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [البلد: 11] أي: لم يقتحم.

وكذلك ما روي: أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا استهل. قال الكسائي: لم أر العرب قالت في مثل هذا كلمة وحدها، حتى تتبعها بأخرى، إما مصرحاً بها، أو مقدراً. وأما المصرح، فلا يقولون: لا عبد الله خارج، حتى يقولوا ولا فلان، ولا يقولون مررت برجل لا يحسن، حتى يقولوا ولا يجمل. وأما المقدر فهو كقوله:فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [البلد: 11] ثم اعترض الكلام فقال:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ } [البلد: 12 - 14] وكان التقدير: لا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً، فاكتفى به مرة واحدة. ومنهم من قال: التقدير في قوله:فَلاَ ٱقتَحَمَ } [البلد: 11] أي: أفلا اقتحم، وهلا اقتحم. انتهى { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } أي: ويل لك مرة بعد مرة. دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه ولاء متكرراً متضاعفاً.

وقيل: المعنى بُعْداً لك. فبعداً في أمر دنياك، وبُعْداً لك فبعداً في أمر أخراك - حكاه الرازي عن القاضي - ثم قال: قال القفال: هذا يحتمل وجوهاً:

أحدها: أنه وعيد مبتدأ من الله للكافر.

والثاني: أنه شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعدوه - يعني أبا جهل - فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه، فأنزل الله تعالى مثل ذلك.

والثالث: أن يكون ذلك أمراً من الله لنبيه بأن يقولها لعدو الله فيكون المعنى: ثم ذهب إلى أهله يتمطى، فقل له يا محمد: أولى لك فأولى، أي: احذر, فقد قرب منك ما لا قبل لك به من المكروه.

السابقالتالي
2