الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }

الإنكاح هنا معناه: التزويج: { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ } أي زوجوهم، والأيامى: جمع أيَّم بفتح الهمزة، وتشديد الياء المسكورة، والأيِّم: هو من لا زوج له من الرجال والنساء، سواء كان قد تزوّج قبل ذلك، أو لم يتزوج قط يقال: رجل أيِّم: وامرأة أيِّم. وقد فسر الشماخ بن ضرار في شعره: الأيِّم الأنثى بأنها التي تتزوج في حالتها الراهنة، وذلك في قوله:
يقرّ بعيني أن أُنبّأ أنّها   وإن لم أنلها أيِّم لم تزوّج
فقوله: لم تزوج تفسير لقوله: أنها أيِّم. ومن إطلاق الأيِّم على الذكر لا زوج له قول أميّة بن أبي الصلت الثقفي:
لله درٌّ بنِي عَليٍّ منهم وناكح   
ومن إطلاقه على الأنثى قول الشاعر:
أحب الأيامى إذ بثينة أيِّم   وأحببت لما أن غنيت الغوانيا
والعرب تقول: آم الرجل يئيم، وآمت المرأة تئيم إذا صار الواحد منهما أيِّما. وكذلك تقول: تأيم إذا كان أيّما.

ومثاله في الأول قول الشاعر:
لقد إمت حتى لامني كل صاحب   رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت
ومن الثاني قوله:
فإن تَنْكِحي أنْكِح وأن تَتأيَّمي   وإن كنتُ منكُم أتأيَّمُ
ومن الأفضل قول يزيد بن الحكم الثقفي:
كل امرئ ستئيم منه   العرس أو منها يئيم
وقول الآخر:
نجوت بقوف نفسك غير أنّي   إخال بأن سييتَّم أو تئيم
يعني: ييتم ابنك وتئيم امرأتك.

فإذا علمت هذا فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَى } شامل للذكور والإناث. وقوله في هذه الآية { مِنْكُمْ } أي من المسلمين، ويفهم من دليل الخطاب أي مفهوم المخالفة في قوله: منكم، أن الأيامى من غيركم، أي من غير المسلمين، وهم الكفار ليسوا كذلك.

وهذا المفهوم الذي فهم من هذه الآية جاء مصرّحاً به في آيات أخر كقوله تعالى في أيامى الكفار الذكور:وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } [البقرة: 221] وقوله في أياماهم الإناث:وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [البقرة: 221]، وقوله فيهما جميعاً:فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [الممتحنة: 10].

وبهذه النصوص القرآنية الصريحة الموضحة لمفهوم هذه الآية، تعلم أنه لا يجوز تزويج المسلمة للكافر مطلقاً وأنّه لا يجوز تزويج المسلم للكافرة إلاَّ أنَّ عموم هذه الآيات خصَّصته آية المائدة، فأبانت أن المسلم يجوز له تزّوج المحصنة الكتابية خاصة، وذلك في قوله تعالى:وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [المائدة: 5] فقوله تعالى، عاطفاً على ما يحل للمسلمين:وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [المائدة: 5] صريح في إباحة تزوج المسلم للمحصنة الكتابية، والظاهرة أنها الحرة العفيفة.

فالحاصل: أن التزويج بين الكفار والمسلمين ممنوع في جميع الصور، إلاّ صورة واحدة، وهي تزوج الرجل المسلم بالمرأة المحصنة الكتابية، والنصوص الدالة على ذلك قرآنية كما رأيت.

السابقالتالي
2 3