الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

{ يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء } ذهب جمع من الرجال إلى أن المعنى ليس كل واحدة منكن كشخص واحد من النساء أي من نساء عصركن أي إن كل واحدة منكن أفضل من كل واحدة منهن لما امتازت بشرف الزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمومة المؤمنين ـ فأحد ـ باق على كونه وصف مذكر إلا أن موصوفه محذوف ولا بد من اعتبار الحذف في جانب المشبه كما أشير إليه. وقال الزمخشري: أحد في الأصل بمعنى وحد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه، والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء أي إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة، وقد استعمل بمعنى المتعدد أيضاً في قوله تعالى:وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } [النساء: 152] لمكان { بَيْنَ } المقتضية للدخول على متعدد وحمل أحد على الجماعة على ما في «الكشف» ليطابق المشبه، والمعنى على تفضيل نساء النبـي صلى الله عليه وسلم على نساء غيره لا النظر إلى تفضيل واحدة على واحدة من آحاد النساء فإن ذلك ليس مقصوداً من هذا السياق ولا يعطيه ظاهر اللفظ.

وكون ذلك أبلغ لما يلزم عليه تفضيل جماعتهن على كل جماعة ولا يلزم ذلك تفضيل كل واحدة على كل واحدة من آحاد النساء لو سلم لكان إذا ساعده اللفظ والمقام، واعترضه أيضاً بعضهم بأنه يلزم عليه أن يكون كل واحدة من نساء النبـي صلى الله عليه وسلم أفضل من فاطمة رضي الله تعالى عنها مع أنه ليس كذلك. / وأجيب عن هذا بأنه لا مانع من التزامه إلا أنه يلتزم كون الأفضلية من حيث أمومة المؤمنين والزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا من سائر الحيثيات فلا يضر فيه كون فاطمة رضي الله تعالى عنها أفضل من كل واحدة منهن لبعض الحيثيات الأخر بل هي من بعض الحيثيات كحيثية البضعية أفضل من كل من الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، نعم أورد على ما في «الكشاف» أن أحد الموضوع في النفي العام همزته أصلية غير منقلبة عن الواحد وقد نص على ذلك أبو علي، وخالف فيه الرضي فنقل عنه أن همزة أحد في كل مكان بدل من الواو، والمشهور التفرقة بين الواقع في النفي العام والواقع في الإثبات بأن همزة الأول أصلية وهمزة الثاني منقلبة عن الواو.

وفي «العقد المنظوم في ألفاظ العموم» للفاضل القرافي قد أشكل هذا على كثير من الفضلاء لأن اللفظين صورتهما واحدة ومعنى الوحدة يتناولهما والواو فيها أصلية فيلزم قطعاً انقلاب ألف أحد مطلقاً عنها وجعل ألف أحدهما منقلباً دون ألف الآخر تحكم، وقد أطلعني الله تعالى على جوابه وهو أن أحد الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة وأحد الذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد فإذا تغاير مسماهما تغاير اشتقاقهما لأنه لا بد فيه من المناسبة بين اللفظ والمعنى ولا يكفي فيه أحدهما، فإذا كان المقصود به الإنسان فهو الذي لا يستعمل إلا في النفي وهمزته أصلية، وإن قصد به العدد ونصف الإثنين فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو اهـ، ولا يخفى أنه إذا سلم الفرق المذكور ينبغي أن تكون الهمزة هنا أصلية.

السابقالتالي
2 3 4