الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

وقوله تعالى: { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي له ذلك على الوجه الأتم أي خلقاً وملكاً لا لغيره عز وجل أصلاً لا استقلالاً ولا اشتراكاً، ويشعر بفعل يتعلق به / قوله تعالى: { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ } أي خلق ما فيهما ليجزي الضالين بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالإساءة بياناً لحاله؛ أو بمثل ما عملوا، أو بسبب ما عملوا على أن الباء صلة الجزاء بتقدير مضاف أو للسببية بلا تقدير.

{ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أي اهتدوا { بِٱلْحُسْنَى } أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى تكميل لما قبل لأنه سبحانه لما أمره عليه الصلاة والسلام بالإعراض نفى توهم أن ذلك لأنهم يتركون سدى.

وفي العدول عن ضمير ربك إلى الاسم الجامع ما ينبـىء عن زيادة القدرة وأن الكلام مسوق لوعيد المعرضين وأن تسوية هذا الملك العظيم لهذه الحكمة فلا بدّ من ضال ومهتد، وَمِن أن يلقى كل ما يستحقه، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم يلقى الحسنى جزاءاً لتبليغه وهم يلقون السوأى جزاءاً لتكذيبهم. وكرر فعل الجزاء لإبراز كمال الاعتناء به والتنبيه على تباين الجزاءين.

وجوز أن يكون معنىفَأَعْرِضْ } [النجم: 29] الخ لا تقابلهم بصنيعهم وكلهم إلى ربك إنه أعلم بك وبهم فيجزي كلاً ما يستحقه، ولا يخفى ما في العدول عن الضميرين في { بِمَن ضَلَّ }بِمَن ٱهْتَدَىٰ } [النجم: 30] وجعل قوله تعالى: { لِيَجْزِىَ } على هذا متعلقاً بما يدل عليه قوله تعالى: { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ } الخ أي ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم ليجزي الخ، وقوله سبحانه: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } جملة معترضة تؤكد حديث أنهم يجزون البتة ولا يهملون كأنه قيل: هو سبحانه أعلم بهم وهم تحت ملكه وقدرته، وجوز على ذلك المعنى أن يتعلق { لِيَجْزِىَ } بقوله تعالى: { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } كما تقدم على تأكيد أمر الوعيد، أي هو أعلم بهم وإنما سوى هذا الملك للجزاء، ورجح بعضهم ذلك المعنى بالوجهين المذكورين على ما مرّ. وجوز في جملة { للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } كونها حالاً من فاعل { أَعْلَمُ } سواء كان بمعنى عالم أو لا، وفي { لِيَجْزِىَ } تعلقه بضل واهتدى على أن اللام للعاقبة أي هو تعالى أعلم بمن ضل ليؤول أمره إلى أن يجزيه الله تعالى بعمله، وبمن اهتدى ليؤول أمره إلى أن يجزيه بالحسنى، ولا يخفى بعده، وأبعد منه بمراحل تعلقه بقوله سبحانه:لاَ تُغْنِى شَفَـٰعَتُهُمْ } [النجم: 26] كما ذكره مكي.

وقرأ زيد بن علي ـ (لنجزي) ـ (ونجزي) بالنون فيهما.

{ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإثْمِ } بدل من الموصول الثاني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6