الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

فمن صفات الذين أحسنوا أنهم { يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ.. } [النجم: 32] أي: يتركون بالكلية الكبائر من الذنوب ولا يقتربون من هذه المنطقة المحرمة { إِلاَّ ٱللَّمَمَ.. } [النجم: 32] وهو صغائر الذنوب. فكأنَّ الله تعالى من رحمته بخلقه تكفّل لنا بالصغائر أنْ يمحوها، وجعل لها أستيكة أي ممحاة تزيلها وهي الصلوات الخمس، شريطة أنْ نجتنب الكبائر. وفي الحديث: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَتْ الكبائر " فمَنْ فعل ذلك وسار على هذا المنهج كانت له الحسنى، وكان من أهل الإحسان. إذن: الإثم والفواحش هي الذنوب الكبيرة التي توعَّد الله مرتكبيها، والفواحش ما فَحُش من الكبائر وعظم، وقد جعل الله له عقوبة وحَداً. أما اللمم الذي استثناه الله وعفا عنه فهو لمم. يعني: صغائر هيِّنة لا يترتب عليها كبيرُ ضرر، وهذه آيضاً مشروطة بعدم الاجتراء عليها أو المبالغة فيها حتى تصير لك عادة. وإذا عاملك الله تعالى بهذه المنطق فاستح منه سبحانه أنْ تتجرأ عليه ولو بالصغائر، لأن الصغيرة إذا أضيفت إلى الصغيرة وكان في الأمر مداومة وإصرار صارتْ كبيرة، ثم للعاقل أنْ ينظر في حَقِّ مَنْ هذه الصغيرة، إنها في حق الله، إذن: فاقصر. قلنا: إن الكبائر جمع كبيرة ما توعد الله عليه بالعذاب في الآخرة، أو أقام عليه الحدَّ في الدنيا، وهذا فيما يتعلق بحقوق العباد، فالله سبحانه قدَّم حقَّ العباد على حقِّه تعالى، وجعل له القصاص العادل في الدنيا. ألا ترون أن الله جعل أداء الدَّيْن مقدَّم على أداء فريضة الحج؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُصل على جنازة أحد الصحابة لأن عليه ديناً، وحثَّهم على قضاء دينه أولاً. حتى أنهم قالوا في معنى " مَنْ حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " قالوا: هذا فيما يتعلق بحقِّ الله، أما حقوق العباد فتظل كما هي، إلى أنْ يكون الأداء أو القصاص، ذلك يُحدِثُ الردع ولا يجترئ الناس على التعدِّي وانتهاك الحرمات. وقد علّمنا رسول الله هذا الدرس في دعائه: " اللهم ما كان لك منها فاغفره لي، وما كان لعبادك فتحمله عني " يعني: إنْ لم أقدر على الوفاء به. لذلك قلنا في السارق الذي أسرف على نفسه وتمادى في هذه الجريمة، ثم أراد أنْ يتوب ماذا يفعل؟ لا بدّ أنْ يجهد في إعادة الحقوق إلى أصحابها، فإذا لم يقدر يحسب جملة ما سلبه من خَلْق الله ويتصدّق به بنية صاحبه، وحين يعلم الله منه صدق التوبة، فقد يتحمل عنه هذه الحقوق رحمة به. نلاحظ أن الآية عطفت { وَٱلْفَوَاحِشَ.

السابقالتالي
2 3 4