الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

{ الَّذينَ } نعت للذين قبله، لقيامه مقام ما ينعت أو بدله { يجْتَنبُون } المضارع للتجدد لا يزالون يجتنبونه { كبائر } كمطلق الزنى { الإثْم } اضافة خاص لعام هو الاثم { والفَواحشَ } عطف خاص على عام، هو كبائر لأن الفاحشة ما اشتد قبحه من الكبائر كالزنى بحليلة الجار، أو بحليلة الساكن معه فى الدار، أو بالحرمة، أو بحائض أو نفساء، وقيل: الفواحش والكبائر مترادفان، وذكرا معا نظراً الى تغاير مفهوميهما، فمفهوم الفحش القبح، ومفهوم الكبيرة استعظام الذنب، وكل فاحشة كبيرة، وكل كبيرة فاحشة.

{ إلاَّ اللَّمَم } الذنب الصغير، والاسثناء منقطع لأن لفظ الكبائر الفواحش لا يشمله، وعند سيبويه أن اللو ما بعده نعت لكبائر والفواحش، ولم يشترط كما اشترط ابن الحجاب لذلك أن يكون المنعوت جمعا منكرا غير محصور، قلنا: لا داعى الى النعت فى الآية، وأصله ما قل من الشىء، كما يقال: لمة الشعر لأنها دون الوفرة، إلا أنه كل ما ظنه صغيرة، لا ندرى لعله كبيرة أخفاها لئلا يجترأ عليها، لأنها تغفر باجتناب الكبائر وبالوضوء، وبالصلاة، وبرمضان، وبالجملة، وظاهر القرآن والأحاديث والأخبار ما ذكر، لا كما قيل: كل ذنب كبير وان الصغر، والكبر بالنسبة، ولنا أن نقول مع ذلك إجلالا له تعالى: ليس فيما يعصى الله به صغير، وذكر بعض: أن الصغائر تعرف، وعن أبى سعيد الخدرى: أنها مثل النظرة والغمزة والقبلة، قلت: هى كبائر ألا ترى أنهن ينقضن الوضوء والصوم، وأنه يكحل عين الناظر بالنار.

وفى البخارى ومسلم، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أن الله تعالى كتب عن ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " فسمى كل ذلك زنى، إلا أن زنى أكبر من زنى، والأكبر يكون بالفرج، وفى مسلم " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما البطش، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ".

وعن بعض أنها الهمُّ بالذنب بلا فعل له، وقد قيل: انه يكتب عليه الاهتمام اذا اشتد، ولا يكتب أنه فعل، ولا يكتب عليه إذا خطر فى قلبه ولم يدم عليه، وعن ابن عباس: كل ما نهى الله عنه أو عصى به، فهو كبير، ومعناه اعتبار عظمة الله سبحانه لا نفى الصغيرة، وأخطأ من قال: اللمس والمفاخذة صغيرتان، لأنهما زنى، وغير حفظ للفرج وللعورة، فكيف يكونان صغيرتين، وليست الكبائر محصورة فى القرآن ولا فى السنة ولا فى الاجماع، بل تعرف بالذوق الصحيح، وكم كبيرة لا توجب الحد، ولم يذكر فيها لعن ولا وعيد، وكيف يحصر ما لا مطمع فى ضبطه.

السابقالتالي
2 3