الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ بيّن تعالى أن لكل إنسان ورثةً وَموالي فلينتَفِع كلُّ واحدٍ بما قسَم الله له من الميراث، ولا يتمنى مالَ غيره. وروى البخاري في كتاب الفرائض من رواية سعيد بن جُبير عن ابن عباس:وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 33] قال: كان المهاجرون حين قدِموا المدينة يرث الأنصاري المهاجريُّ دون ذوي رحِمِه للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } قال: نسختها { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ }. قال أبو الحسن بن بطّال: وقع في جميع النسخ { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } قال: نسختها { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ }. والصواب أن الآية الناسخة { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } والمنسوخة { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } ، وكذا رواه الطبري في روايته. وروي عن جمهور السلف أن الآية الناسخة لقوله: { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قوله تعالى في «الأنفال»:وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [الانفال: 75]. رُوي هذا عن ابن عباس وقَتادة والحسن البَصْرِي وهو الذي أثبته أبو عبيد في كتاب «الناسخ والمنسوخ» له. وفيها قول آخر رواه الزُّهْرِي عن سعيد بن المسيب قال: أمر الله عز وجل الذين تَبَنَّوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوا في الإسلام أن يجعلوا لهم نصيباً في الوصيّة وردّ الميراث إلى ذَوي الرَّحِم وَالعَصَبة وقالت طائفة: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } مُحْكَمٌ وليس بمنسوخ وإنما أمر الله المؤمنين أن يُعْطُوا الحلفاء أنصباءهم من النُّصرة والنصيحة وما أشبه ذلك ذكره الطبري عن ابن عباس. { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } من النُّصرة والنصيحة والرِّفادة ويُوصى لهم وقد ذهب الميراث وهو قول مُجاهد والسُّدي. قلت واختاره النحاس ورواه عن سعيدبن جبير، ولا يصح النسخ فإن الجمع ممكن كما بيّنه ابن عباس فيما ذكره الطبري، ورواه البخاري عنه في كتاب التفسير. وسيأتي ميراث «ذوي الأرحام» في «الأنفال» إن شاء الله تعالى. الثانية ـ «كُلّ» في كلام العرب معناها الإحاطة والعموم. فإذا جاءت مفردة فلا بدّ أن يكون في الكلام حذف عند جميع النحويين حتى أن بعضهم أجاز مررتُ بكلٍّ، مثل قبلُ وبعدُ. وتقدير الحذف: ولكلّ أحدٍ جعلنا موالي، يعني ورثة. { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني بالحلف عن قتادة. وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول: دَمي دَمُك، وهَدْمي هَدْمُكَ، وثأري ثأرك، وحَرْبي حربُكَ، وسِلْمي سِلْمك، وتَرِثُني وأرِثُك، وتطلب بي وأطلب بك، وتَعْقِل عني وأعْقِل عنك فيكون للحليف السّدسُ من ميراث الحَليف ثم نسخ. الثالثة ـقوله تعالى: { مَوَالِيَ } اعلم أن المولى لفظ مشترك يطلق على وجوه فيُسَمَّى المُعْتِق مَوْلىً والمُعْتَق مَوْلىً. ويقال: المَوْلَى الأسفل والأعلى أيضاً. ويُسَمَّى الناصر المَوْلَى ومنه قوله تعالىوَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ }

السابقالتالي
2