الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها ظاهر جداً على القول بأن سبب نزول الآية السابقة هو ما تقدم من حيث تفضيل الرجال على النساء في الإرث، وكذا على القول بعموم التمني في تلك الآية فإن أكثر التحاسد وتمني ما عند الغير يكون في المال وقلما يتمنى الناس ما فضلهم به غيرهم من الجاه إلا من حيث أن ذلك الجاه يستتبع المال في الغالب فالعالم الزاهد في الدنيا المعرض عنها لا يكاد يحسده على علمه أحد إلا أن يكون لعلة غير العلم كأن يكون علمه مظهراً لجهل الأدعياء وينقص من رزقهم واحترامهم.

الأستاذ الإمام: الظاهر أن الكلام في الأموال فإنه نهى عن أكلها بالباطل ثم نهى عن تمني أحد ما فضله به غيره من المال لأن التمني يسوق إلى التعدي وإنما أورد النهي عاماً لزيادة الفائدة والسياق يفيد أن المال هو المقصود أولاً وبالذات لأن أكثر التمني يتعلق به، وذكر القاعدة العامة في الثروة وهي الكسب. ثم انتقل من ذكر الغالب هو الكسب إلى غير الغالب وهو الإرث فقال { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ } فالموالي من لهم الولاية على التركة، و " من " في قوله: { مِمَّا تَرَكَ } ابتدائية والجملة تتم بقوله: { تَرَكَ } والمعنى: ولكل من الرجال الذين لهم نصيب مما اكتسبوا والنساء اللواتي لهن نصيب مما اكتسبن موالي لهم حق الولاية على ما يتركون من كسبهم، وهؤلاء الموالي هم { ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } أي جميع الورثة من الأصول والفروع والحواشي والأزواج كما تقدم التفصيل في أول السورة، فالمراد هنا بالذين عقدت أيمانكم الأزواج فإن كل واحد من الزوجين يصير زوجاً له حق الإرث بالعقد، والمتعارف عند الناس في العقد أن يكون بالمصافحة باليدين { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } أي فأعطوا هؤلاء الموالي نصيبهم المفروض لهم ولا تنقصوهم منه شيئاً.

ولما كان الميراث موضعاً لطمع بعض الوارثين ـ أي ولا سيما من يكون في أيديهم المال لإقامة المورث معهم ـ قال تعالى بعد الأمر بإعطاء كل ذي حق حقه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } أي إنه تعالى رقيب عليكم حاضر يشهد تصرفكم في التركة وغيرها فلا يحملنكم الطمع وحسد بعضكم لبعض الوارثين على أن يأكل من نصيبه شيئاً سواءٍ أكان ذكراً أم أنثى كبيراً أم صغيراً.

أقول إن ما ذهب إليه الأستاذ الإمام هو المتبادر الذي لا يعثر فيه الفكر، ولا يكبو في ميدانه جواد الذهن، ولا يحتاج فيه إلى تكلف في الإعراب، ولا إلى القول بالنسخ، فأين منه تلك الأقوال المتكلفة التي انتزعها المفسرون انتزاعاً من تنوين قوله تعالى: { وَلِكُلٍّ } فهو هاهنا بدل من مضاف إليه محذوف لدلالة السياق عليه كما هو المعهود في مثله من هذه اللغة والمأخذ القريب المتبادر لهذا المضاف إليه هو الآية السابقة التي عطف عليها قوله: { وَلِكُلٍّ } فاختار إن المخاطبين بالنهي والأمر في تلك الآية هم المخاطبون بالحكم بامتثاله في هذه الآية المعطوفة عليها.

السابقالتالي
2 3