الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

قوله تعالى: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا }: فيه ستة أوجه، وذلك يستدعي مقدمة قبله، وهو أن " كل " لا بُدَّ لها من شيءٍ تُضاف إليه. واختلفوا في تقديره: قيل: تقديرُه: " ولكلِّ إنسانٍ " ، وقيل: لكل مال، وقيل: لكل قوم، فإنْ كان التقدير: " لكلِّ إنسان " ففيه ثلاثةُ أوجه، أحدها: " ولكلِّ إنسانٍ موروثٍ جعلنا مواليَ " أي: وُرَّاثاً مِمَّا ترك، ففي " ترك " ضمير عائد على " كل " وهنا تم الكلام، ويتعلق " مِمَّا ترك " بـ " مواليَ " لِما فيه من معنى الوراثة، أو بفعل مقدَّرٍ أي: يَرِثون مما. " مواليَ " مفعول أول لـ " جعل " بمعنى صَيَّر، و " لكل " جارٌ ومجرور هو المفعول الثاني قُدِّم على عامِلِه، ويرتفع " الوالدان " على خبر مبتدأ محذوف، أو بفعل مقدر أي: يَرِثون مما، كأنه قيل: ومَنْ الوارث؟ فقيل: هم الوالدان والأقربون، والأصل: " وجعلنا لكلِّ ميتٍ وُرَّاثاً يَرِثون ممَّا تركه هم الوالدان والأقربون.

والثاني: أنَّ التقديرَ: " ولكلِّ إنسانٍ موروثٍ جَعَلنا وُرَّاثاً مما ترك ذلك الإِنسان " ثم بَيَّن الإِنسانَ المضافَ إليه " كل " بقوله: الوالدان، كأنه قيل: ومَنْ هو هذا الإِنسانُ الموروث؟ فقيل: الوالدان والأقربون. والإِعرابُ كما تقدَّم في الوجهِ قبله. وإنما الفرق بينهما أن الوالدين في الأول وارثون، وفي الثاني مَوْروثون، وعلى هذين الوجهين فالكلام جملتان، ولا ضمير محذوف في " جعلنا " ، و " موالي " مفعول أول، و " لكل " مفعول ثان.

الثالث: أن يكون التقدير: ولكل إنسان وارثٍ مِمَّنْ تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي: موروثين، فيُراد بالمَوْلى الموروثُ، ويرتفع " الوالدان " بـ " ترك " ، وتكون " ما " بمعنى " مَن " ، والجار والمجرور صفةٌ للمضافِ إليه " كل " ، والكلامُ على هذا جملةٌ واحدة، وفي هذا بُعْدٌ كبير.

الرابع: وإنْ كان التقدير: " ولكل قوم " فالمعنى: ولكل قوم جعلناهم مواليَ نصيبٌ مِمَّا تركه والدُهم وأقربوهم، فـ " لكل " خبر مقدم، و " نصيب " مبتدأٌ مؤخر، و " جَعَلْناهم " صفةٌ لقوم، والضمير العائد عليهم مفعولُ " جَعَل " و " مواليَ ": إمَّا ثانٍ وإمَّا حالٌ، على أنها بمعنى " خلقنا، و " مِمَّا ترك " صفة للمبتدأ، ثم حُذِف المبتدأ وبقيت صفتُه، وحُذِف المضاف إليه " كل " وبقيت صفتُه أيضاً، وحُذِف العائد على الموصوفِ. ونظيرُه: " لكلِّ خلقه الله إنساناً مِنْ رزق الله " أي: لكل أحد خلقه الله إنساناً نصيبٌ من رزق الله.

السابقالتالي
2