الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

بعد أن أنكر التنزيل في الآية السابقة على المشركين وغيرهم من أهل الملل تحريم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق - قفى عليه ببيان أصول المحرمات العامة التي حرمها لضرر ثابت لازم لها لا لعلة عارضة وكلها من أعمالهم الكسبية لا من مواهبه ونعمه الخلقية. ليعلم أنه له الحمد والشكر لم يحرم على الناس إلا ما هو ضار بهم دون ما هو نافع لهم فقال:

{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } هذا كلام مستأنف لبيان ما حرمه الله تعالى بعد إنكار أن يكون حرم الزينة والطيبات لأن الحال تقتضي أن يسأل عنه والمعنى: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين وغيرهم من أهل الملل الذين ظلموا أنفسهم وكذبوا على الله بزعمهم أنه حرم على عباده ما أخرج لهم من نعم الزينة والطيبات من الرزق، وكذا لمن اتبعك من المؤمنين: إنما حرم ربي في كتبه، على ألسنة رسله، هذه الأنواع الخمسة أو الستة من أعمالهم الضارة التي يجنون بها على أنفسهم، فجعل تحريمها هو الدائم الذي لا يباح بحال من الأحوال كما يدل عليه الحصر بإنما وهي:

1و 2- الفواحش الظاهرة والباطنة - فالفواحش جمع فاحشة وهي الفعلة أو الخصلة التي فحش قبحها في الفطر السليمة والعقول الراجحة التي تميز بين الحسن والقبيح والضار والنافع وكانوا يطلقونها على الزنا واللواط والبخل الشديد وعلى القذف بالفحشاء والبذاء المتناهي في القبح، وتقدم تفصيل القول في الفواحش ما ظهر منها وما بطن في تفسير [الأنعام: 151] وهي من آيات الوصايا العشر في أواخر سورة الأنعام وفيه إحالة في تفسير ما ظهر منها وما بطن على تفسيروَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } [الأنعام: 120] من تلك السورة.

3 و4- الإثم والبغي، تقدم أن الإثم في اللغة هو القبيح الضار فهو يشمل جميع المعاصي - الكبائر منها كالفواحش والخمر والصغائر كالنظر واللمس بشهوة لغير الحليلة وهو اللمم، ومنه قوله تعالى:ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } [النجم: 32] فعطف الفواحش على كبائر الإثم لا على الإثم وهو من عطف الخاص على العام، وكذلك عطف البغي على الإثم هنا من عطف الخاص على العام. ومعناه في أصل اللغة طلب لما ليس بحق أو بسهل أو ما تجاوز الحد، وقالوا بغى الجرح - إذا ترامى إلى الفساد، أو تجاوز الحد في فساده.

ومنه البغي في الأرض الوارد في عدة آيات كقوله:فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [يونس: 23] وقد صرح في بعضها بالفساد:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7