الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } إضراباً عن إضرابهم وإبطالاً له { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي بل صدنا مكركم بنا في الليل والنهار فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعاً أو جعل الليل والنهار ماكرين على الإسناد المجازي، وقيل لا حاجة إلى ذلك فإن الإضافة على معنى في. وتعقب بأنها مع أن المحققين لم يقولوا بها يفوت باعتبارها المبالغة، ويعلم مما أشرنا إليه أن { مكر } فاعل لفعل محذوف، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي سبب كفرنا مكر الليل والنهار أو مكر الليل والنهار سبب كفرنا.

وقرأ قتادة ويحيـى بن يعمر { بل مكر ٱلليل وٱلنهار } بالتنوين ونصب الظرفين، أي بل صدنا مكركم أو مكر عظيم في الليل والنهار. وقرأ محمد بن جعفر وسعيد بن جبير وأبو رزين وابن يعمر أيضاً { مكر ٱلليل وٱلنهار } بفتح الميم والكاف وتشديد الراء والرفع مع الإضافة أي بل صدنا كرور الليل والنهار واختلافهما، وأرادوا على ما قيل الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله عز وجل. وقرأ ابن جبير أيضاً وراشد القاري وطلحة كذلك إلا أنهم نصبوا { مكر } على الظرف أي بل صددتمونا مكر الليل والنهار أي في مكرهما أي دائماً، وجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً أي تكرون الإغراء مكراً دائماً لا تفترون عنه، وجوز صاحب «اللوامح» كونه ظرفاً لتأمروننا بعد. وتعقبه أبو حيان بأنه وهم لأن ما بعد (إذ) لا يعمل / فيما قبلها.

وقوله تعالى: { إِذْ تَأْمُرُونَنَا } بدل من الليل والنهار أو تعليل للمكر، وجعله في «الإرشاد» ظرفاً له أي بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا { أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } على أن مكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر وأما أمور أُخر مقارنة لأمرهم داعية إلى الامتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك. وجملة { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } الخ عطف على جملةيَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } [سبأ: 31] الخ وإن تغايرتا مضياً واستقبالاً. ولما كان هذا القول رجوعاً منهم إلى الكلام دون قول المستكبرينأَنَحْنُ صَدَدنَـٰكُمْ } [سبأ: 32] فإنه ابتداء كلام وقع جواباً للاعتراض عليهم جيء بالعاطف هٰهنا ولم يجيء به هناك على ما اختاره بعضهم، وقيل: إن النكتة في ذلك أنه لما حكى قول المستضعفين بعد قوله تعالى:يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } [سبأ: 31] كان مظنة أن يقال: فماذا قال الذين استكبروا للذين استضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع؟ فقيل: قال الذين استكبروا كذا، وقال الذين استضعفوا كذا فأخرج مجموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض فتدبر.

والأنداد جمع ند هو شائع فيمن يدعي أنه شريك مطلقاً لكن ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره الجاري فيه على مسلك المفسرين «إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن» وبخطه الشريف النوراني رأيته أنه مخصوص بمن يدعي الألوهية كفرعون وأضرابه لأن بذلك ندعن الله تعالى وشرد عن رحمته سبحانه، وقال الشيخ: لأنه شرد عن العبودية له جل شأنه.

السابقالتالي
2