الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ }

قرئ بشهاداتهم بالجمع وقرئ بشهادتهم بالإفراد، فقيل: إن الإفراد يؤدي معنى الجمع للمصدر كما في قوله:إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [لقمان: 19]. فأفرد في الصوت مراداً به الأصوات.

وقيل: الإفراد لشهادة التوحيد مقيمون عليها. والجمع لتنوع الشهادات بحسب متعقلها، ولا تعارض بين الأمرين فما يشهد لذلك قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [فصلت: 30].

قال أبو بكر رضي الله عنه: أي داموا على ذلك حتى ماتوا عليه.

وبدل للثاني عمومات آية الشهادة المتنوعة في البيع والطلاق والكتابة في الدين وغير ذلك، والله تعالى أعلم.

وفي هذه الآية عدة مسائل:

المسألة الأولى: أطلق القيام بالشهادة هنا وبين أن قيامهم بها إنما هو لله في قوله تعالى:وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [الطلاق: 2]، وقوله:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } [النساء: 135].

المسألة الثانية: قوله { بِشَهَادَاتِهِمْ قَآئِمُونَ } في معرض المدح، وإخراجهم من وصفإِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } [المعارج: 19] يدل بمفهومه أن غير القائمين بشهاداتهم غير خارجين من ذلك الوصف الذميم.

وقد دلت آيات صريحة على هذا المفهوم، منها قوله تعالى:وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283]، وقوله:وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } [المائدة: 106].

وكذلك في معرض المدح في وصف عباد الرحمن في قوله:وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } [الفرقان: 72].

وفي الحديث من عظم جرم شهادة الزور، وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، فقال: " ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت "

تنبيه

قوله: { وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَآئِمُونَ } يفيد القيام بالشهادة مطلقاً، وجاء قوله:وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ } [البقرة: 282] فقيد القيام بالشهادة بالدعوة إليها.

وفي الحديث: " خير الشهود من يأتي بالشهادة قبل أن يسألها ".

وفي حديث آخر في ذم المبادرة بها، ويشهدون قبل أن يستشهدوا. وقد جمع العلماء بين الحديثين بأن الأول في حالة عدم معرفة المشهود له بما عنده له من شهادة، أو يتوقف على شهادته حق شرعي كرضاع وطلاق ونحوه، والثاني بعكس ذلك.

وقد نص ابن فرحون أن الشهادة في حق الله على قسمين، قسم تستديم فيه الحرمة كالنكاح والطلاق، فلا يتركها، وتركها جرحة في عدالته، وقسم لا تستديم فيه الحرمة كالزنى والشرب، فإن تركها أفضل ما لم يدع لأدائها. لحديث هذال في قصة ماعز حيث قال له صلى الله عليه وسلم: " هلا سترته بردائك "

المسألة الثالثة: مواطن الشهادة الواردة في القرآن، والتي يجب القيام فيها، نسوقها على سبيل الإجمال.

الأول: الإشهاد في البيع في قوله تعالى:وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [البقرة: 282].

الثاني: الطلاق، والرجعة لقوله تعالى:فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُم }

السابقالتالي
2 3 4 5