الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ }

ثم بين عذابهم وإهلاكهم، فقال: { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلآ ءَالَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ }. وفيه مسائل: الأولى: الحاصب فاعل من حصب إذا رمى الحصباء وهي اسم الحجارة والمرسل عليهم هو نفس الحجارة قال الله تعالى:وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } [الحجر: 74] وقال تعالى عن الملائكة:لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِن طِينٍ } [الذاريات: 33] فالمرسل عليهم ليس بحاصب فكيف الجواب عنه؟ نقول: الجواب من وجوه الأول: أرسلنا عليهم ريحاً حاصباً بالحجارة التي هي الحصباء وكثر استعمال الحاصب في الريح الشديدة فأقام الصفة مقام الموصوف، فإن قيل: هذا ضعيف من حيث اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأن الريح مؤنثة قال تعالى:بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [الحاقة: 6]،بِرِيحٍ طَيّبَةٍ } [يونس: 22] وقال تعالى:فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ } [ص: 36] وقال تعالى:غُدُوُّهَا شَهْرٌ } [سبأ: 12] وقال تعالى في:وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ لَوَاقِحَ } [الحجر: 22] وما قال لقاحاً ولا لقحة، وأما المعنى فلأن الله تعالى بين أنه أرسل عليهم حجارة من سجيل مسومة عليها علامة كل واحد وهي لا تسمى حصباء، وكان ذلك بأيدي الملائكة لا بالريح، نقول: تأنيث الريح ليس حقيقة ولها أصناف الغالب فيها التذكير كالإعصار، قال تعالى:فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ } [البقرة: 266] فلما كان حاصب حجارة كان كالذي فيه نار، وأما قوله: كان الرمي بالسجيل لا بالحصباء، وبأيدي الملائكة لا بالريح، فنقول: كل ريح يرمي بحجارة يسمى حاصباً، وكيف لا والسحاب الذي يأتي بالبرد يسمى حاصباً تشبيهاً للبرد بالحصباء، فكيف لا يقال في السجيل. وأما الملائكة فإنهم حركوا الريح وهي حصبت الحجارة عليهم الجواب الثاني: المراد عذاب حاصب وهذا أقرب لتناوله الملك والحساب والريح وكل ما يفرض الجواب الثالث: قوله: { حَـٰصِباً } هو أقرب من الكل لأن قوله: { إِنَّا أَرْسَلْنَا } يدل على مرسل هو مرسل الحجارة وحاصبها، فإن قيل: كان ينبغي أن يقول حاصبين، نقول لما لم يذكر الموصوف رجح جانب اللفظ كأنه قال شيئاً حاصباً إذ المقصود بيان جنس العذاب لا بيان من على يده العذاب، وهذا وارد على من قال: الريح مؤنث لأن ترك التأنيث هناك كترك علامة الجمع هنا. المسألة الثانية: ما رتب الإرسال على التكذيب بالفاء فلم يقل: كذبت قوم لوط بالنذر فأرسلنا كما قال:فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء } [القمر: 11] لأن الحكاية مسوقة على مساق ما تقدم من الحكايات، فكأنه قال:فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } [القمر: 30] كما قال من قبل ثم قيل: لا علم لنا به وإنماأنت العليم فأخبرنا، فقال: { إِنَّا أَرْسَلْنَا }. المسألة الثالثة: ما الحكمة في ترك العذاب حيث لم يقل: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى } كما قال في الحكايات الثلاث، نقول: لأن التكرار ثلاث مرات بالغ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " ألا هل بلغت ثلاثاً "

السابقالتالي
2 3