الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

قوله تعالى { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } اتاكم ما سألتم منه فى معاهد الاول وعقودأَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } من كشف الجمال والوصول الى وصال الذى جلاله غير محصور وكماله غير مقصور بقوله { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } نعمة الله كشف صفاته وذاته لهم وتعريفها اياهم على نعت السرمدية ولا يبلغ الى وصفها حساب الحدثان وعدد الزمان والمكان ثم شكا سبحانه من المنعَم عليه حيث ظلم بعد هذه النعم والكرم بسكونه بما وجد وعصيانه لمن اوجد بقوله { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } وصف شكره فى التوحيد حيث استغرق فى بحر الديمومية واتصف بتلك الصفة وخرج منها بدعوى الانائية ظلم بجهله بعين القدم ولو ادركها لغنى عن الانائية فى عين القدم واى ظلم اعظم من دعوى الربوبية ومحل العبودية ثم وصفه بوصف العطش والشوق فى سراب الحيرة الى ادراك كنه الكنه ونسى ما وجد وجهل بتنزيهه الازلية عن مطالعة الخليقة بوصف الاحاطة فتارة ظالما من كمال استغراقه فى الازل بدعوى الانائية وتارة كافرا حيث نسى ما وجد وجهل بما لم يكن مدركا الا الحق سبحانه وكفرانه غاية عطشه فى الشوق الى ادراك الربوبية وعلو همته فى خوضه فى ظلمة اصل كل اصل وعلة كل علل الا ترى موسى عليه السلام اذا استغرق فى بحر الاولية كيف طلب الكل بالكل والاخر بالاول والاول بالاخر والصفة بالذات والذات بالصفات فقال موسى من متى انت يا رب وهذا الانسان كيف يكون انسانا حيث حمل ما لم يحمل الحدثان اقرأ حديثإِنَّا عَرَضْنَا } الآية واذى موازاة حمل معرفة الاولية والاخروية وكنه الكنه وادراك عين العين لا بنفسه ظلما حيث اجترى ما اجترى وجهل بما راى على ما لم ير قال فى حقه انه كان ظلوما جهولا قال الجنيد زين لك السماوات بالامطار والارض بالنبات والبحر بان تتخذ سبيلا ومتجرا وسخر لك الشمس والقمر يدوران عليك ويوصلان اليك منافع الثمار والزروع وسخر قلب المؤمن بمحبته ومعرفته وحظ الله من العباد القلوب لا غير لأنها موضع نظره ومستودع اعانته ومعرفة اسراره قال يحيى بن معاذ فى قوله { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } ان الله تعالى اعطاك اكبر ما فى خزانته واجله واعظمه من غير سؤال وهو التوحيد فكيف يمنعك ما هو دونها من الثواب والعافية بسؤال فاجتهد ايها العبد ان لا يكون سؤالك الا منه ولا رغبتك الا فيه ولا يرجعون الا اليه فان الاشياء كلها له فمن شغله بغيره عنه فقد قطع عليه طريق الحقيقة ومن شغله به جعل الاشياء كلها طوع يديه فتنقلب له الاعيان ويقرب له البعد فيمشى حيث احب ويخبر عما اراد وهذا من مقامات العارفين وقال بعضهم { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } عد نعمة من نعمه يعجز عن الاحصاء فكيف اذا تتابعه النعم قيل اجل النعمة استواء الخلقة والهام المعرفة والذكر من بين سائر الحيوان ولا يطيق القيام بشكرها احد وقيل { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ } لنفسه حيث ظن ان شكره يقابل نعمه { كَفَّارٌ } محجوب عن رؤية الفضل عليه فى البدء والعافية وقال سهل وان تعدوا نعمة الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم لا تحصوها بان جعل السفير فيما بينكم وبينه السفير الاعلى والواسطة الادنى وقال ابن عطا اجل النعمة رؤية معرفة النعم ورؤية التقصير فى القيام بشكر المنعم قال ايضا النعمة ازلية كذلك يجب ان يكون شكره ازليا واعلم ان لك نفسا وروحا وقلبا فنعمة النفس الطاعة ونعمة الروح الخوف ونعمة القلب اليقين ونعمة الروح الحكمة ونعمة المحبة الذكر ونعمة المعرفة الالفة والنفس فى ابحر الطاعات تتنعم والقلب فى ابحر النعيم ينقلب والمعرفة ابحر القربة وانتظار العيان تتنعم قال ايضا سخر لكم الليل والنهار جعلهما ظرفا لعبادتك ووعاء لطاعتك وسخر لك الشمس والقمر لتستدل بهما على اوقات العبادات وسخر قلبك لمعرفته ومحبته لان حظ الحق من العبيد قلوبهم قال الحسين فى قوله وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ما لا يحصى لا يتناهى لا يمن لها شكر متناه فى وقت متناه وانما طالبهم بالشكر ليقطعهم عن الشكر وقال الاستاذ سماء القلوب زينها بمصابيح العقول وأطلع فيها شمس التوحيد وهى العرفان ومرج فى القلوب بحرى الخوف والرجاء جعل بينهما برزخا لا يبغيان لا يغلب الخوف ولا الرجاء وسخر فلك التوفيق والعصمة وسفينة الايواء والحفظ وكذلك ليالى الطلب للمريدين وليالى الطرب لاهل الانس من المحبين وليالى الهرب للتائبين وكذلك نهار العارفين باستغنائهم عن سراج العلم عند سطوع نهار اليقين.