بيان لما ذكر سبحانه في صدر السورة أن الفتنة سنَّة إلهية لا معدل عنها وقد جرت في الأُمم السابقة عقّب ذلك بالإِشارة إلى قصص سبعة من الأنبياء الماضين وأُممهم وهم نوح وإبراهيم ولوط وشعيب وهود وصالح وموسى عليهم السلام فتنهم الله وامتحنهم فنجى منهم من نجى وهلك منهم من هلك، وقد ذكر سبحانه في الثلاثة الأول النجاة والهلاك معاً وفي الأربعة الأخيرة الهلاك فحسب. قوله تعالى { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون } ، في المجمع الطوفان الماء الكثير الغامر لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض، انتهى. وقيل هو كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام والغالب استعماله في طوفان الماء. والتعبير بألف سنة إلا خمسين عاماً دون أن يُقال تسعمائة وخمسين سنة للتكثير والآية ظاهرة في أن الألف إلا خمسين مدة دعوة نوح عليه السلام ما بين بعثته إلى أخذ الطوفان فيغاير ما في التوراة الحاضرة أنها مدة عمره عليه السلام وقد تقدمت الإِشارة إلى ذلك في قصصه عليه السلام في تفسير سورة هود، والباقي ظاهر. قوله تعالى { فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين } أي فأنجينا نوحاً وأصحاب السفينة الراكبين معه فيها وهم أهله وعدة قليلة من المؤمنين به ولم يكونوا ظالمين. وقوله { وجعلناها آية للعالمين } الظاهر أن الضمير للواقعة أو للنجاة وأما رجوعه إلى السفينة فلا يخلو من بعد، والعالمين الجماعات الكثيرة المختلفة من الأجيال اللاحقة بهم. قوله تعالى { وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } معطوف على قوله { نوحاً } أي وأرسلنا إبراهيم إلى قومه. وقوله لقومه { اعبدوا الله واتقوه } دعوة إلى التوحيد وإنذار بقرينة الآيات التالية فتفيد الجملة فائدة الحصر. على أن الوثنية لا يعبدون الله سبحانه وإنما يعبدون غيره زعماً منهم أنه تعالى لا يمكن أن يعبد إلا من طريق الأسباب الفعالة في العالم المقربة عنده كالملائكة والجن ولو عبد لكان معبوداً وحده من غير شريك فدعوتهم إلى عبادة الله بقوله { اعبدوا الله } تفيد الدعوة إليه وحده وإن لم تقيد بأداة الحصر. قوله تعالى { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً } إلى آخر الآية، الأوثان جمع وثن بفتحتين وهو الصنم، والإِفك الأمر المصروف عن وجهه قولاً أو فعلاً. وقوله { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } بيان لبطلان عبادة الأوثان ويظهر به كون عبادة الله هي العبادة الحقة وبالجملة انحصار العبادة الحقة فيه تعالى { أوثاناً } منكّر للدلالة على وهن أمرها وكون أُلوهيتها دعوى مجردة لا حقيقة وراءها، أي لا تعبدون من دون الله إلا أوثاناً من أمرها كذا وكذا.