الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

السكون والثبوت والهدوء نظائر، ومثله الاستقرار والاطمئنان والثبات. والمسكن والمأوى والمثوى بمعنى (واحد)، تقول: سكن يسكن سكونا إذ لبث في المكان وسكن إذا سكت. سكن الريح، وسكن المطر، وسكن الغضب. والسكن هم العيال وهم أهل البيت. قال سلامة بن المجندل:
ليس بأسفى ولا أفنى ولا سغل   يسقي دواء قفي السكن مربوب
والمسكن المنزل، والسكن السكان، والسكن ان يسكن إنسان منزلا بلا كراء والسكينة: الموادعة والوقار. والسكن: الرحمة والبركة، كقوله: { إن صلاتك سكن لهم } والمسكين: الذي لا شيء له ـ عند ابي عبيدة ـ، والفقير: الذي له شيء وان كان قليلا قال الشاعر:
أما الفقير الذي كانت حلوبته   وفق العيال فلم يترك له سيد
وقوله تعالى: { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } قال ابو حاتم: أحسنه ـ أنهم كانوا شركاء في سفينة لا يملكون سواها. فهذا يخالف أبا عبيدة وسكان السفينة معروف عربي اشتقاقه من انها تسكن به عن الحركة والاضطراب.

ومعنى { اسكن أنت وزوجك الجنة }: اجعله مأوى تأوي فيه وتسكن اليه، وقد اعظم الله النعمة على آدم بما اختصه من علمه، وأسجد له ملائكته واسكنه جنته، وتلك نعمة على ولده، فالزمهم الشكر عليها، والقيام بحقها.

والجنة التي اسكن فيها آدم، قال قوم: هي بستان من بساتين الدنيا، لأن جنة الخلد لا يصل اليها إبليس ووسوسته، واستدل البلخي على انها لم تكن جنة الخلد بقوله تعالى حكاية عن ابليس لما اغوى آدم، قال له: { هل أدلك على شجرة الخلد }؟ فلو كانت جنة الخلد لكان عالماً بها، فلم يحتج إلى دلالة. وقال الحسن البصري وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء واكثر المعتزلة كأبي على والرماني وابي بكر بن الاخشيد وعليه اكثر المفسرين: انها كانت جنة الخلد؛ لأن الألف واللام للتعريف وصار كالعلم عليها قالوا: ويجوز ان يكون وسوسة ابليس من خارج الجنة، فيسمعان خطابه ويفهمان كلامه، قالوا: وقول من يقول: ان جنة الخلد من يدخلها لا يخرج منها لا يصح، لأن معنى ذلك إذا استقر اهل الجنة في الجنة للثواب، وأهل النار فيها للعقاب لا يخرجون منها، واما قبل ذلك فانها تغنى لقوله تعالى: { كل شيء هالك إلا وجهه }.

{ وزوجك الجنة } الزوج: بطرح الهاء قال الأصمعي: هو أكثر كلام العرب، وقال الكسائي: اكثر كلام العرب بالهاء، وطرح الهاء لغة لأزد شنوءة، ولفظ القرآن لم يجىء إلا بطرح الهاء. وقال المبرد: الوجه طرح الهاء من الزوجة وأنشد:
وأراكم لدى المحاماة عندي   مثل صوت الرجال للازواج
جمع زوج، ولا يجوز ان يكون جمع زوجة. وقال الرماني: قول الاصمعي أجود، لأن لفظ القرآن عليه، والعلة في ذلك انه لما كانت الاضافة تلزم الاسم في اكثر الكلام كانت مشبهة له، وكانت بطرح الهاء افصح وأخف مع الاستغناء بدلالة الاضافة عن دلالة هاء التأنيث.

السابقالتالي
2 3 4