الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }

وهذا أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسألهم سؤالاً جديداً، لا إجابة له إلا ما يفرضه الواقع، والواقع يؤكد أن الهداية لا تكون إلا للحق لأن كل كائن مخلوق لغاية، فلا شيء يُخلق عبثاً. ونحن بقُدرتنا المحدودة نصنع الميكرفون والتليفزيون أو الثلاجة أو السرير وغيرها، كلّ منها له غاية، وكل له قوانين صيانته الخاصة به، والذي يحدِّد الغاية من هذا المصنوع أو ذاك هو صانعه، ويضع لها قوانين صيانتها لتؤدّي غايتها، فالغاية من أي شيء توجد قبل الشيء نفسه ليوجد الشيء على مقتضى الغاية منه. وآفة العالم الآن أنهم يعلمون أن الله سبحانه خلق الإنسان، ولكنهم يصنعون من عندهم قوانين لصيانة الإنسان وحركة الإنسان، وهذا غباء وغفلة من الذين يفعلون ذلك، كان عليهم أن يتركوا أمر صيانة الإنسان للقوانين التي وضعها خالق الإنسان سبحانه. فالحق سبحانه وتعالى قد حدد الغاية من خَلْق الإنسان وحدّد قوانين صيانته، والشر الموجود حالياً بسبب الجهل بغاية الإنسان، والعدول عن المنهج الذي يجب أن يسير عليه الإنسان، فقال الحق سبحانه: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ.. } [يونس: 35]. أي: هل من هؤلاء الشركاء مَنْ يهدي الإنسان إلى غايته؟ هل قالت الشمس - مثلاً - غايتها؟ هل قالت الملائكة غايتها؟ هل قالت الأشجار أو الأحجار أو الرسل الذين عبدتموهم شيئاً غير مراد الله تعالى؟ إنهم آلهة لا يعرفون الغاية من العابد لهم، ولا يعرفون الطريق الموصل إلى تلك الغاية. ولذلك يأتي القول الفصل: { قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ.. } [يونس: 35]. فالله هداك أيها الإنسان إلى الحق في كل حركة تتحركها بالمنهج الذي أنزله الله سبحانه مكتملاً على رسوله صلى الله عليه وسلم من بدء " لا إله إلا الله " إلى إماطة الأذى عن الطريق، وهو منهج مستوعب مستوفٍ لكل حركات الإنسان. وجاءت الإجابة من الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لأنهم انبهروا بالسؤال وتلجلجوا ولم يوجد عند أي منهم قدرة على المعارضة، فالغاية من خلق الإنسان وغيره يوجزها قول الحق سبحانه:وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]. والعبادة ليست أركان الإسلام فقط، بل هي عمارة الكون كبنيان حيّ للإسلام، والذي حدد الغاية هو الخالق سبحانه، وهو سبحانه الذي يحدد طريق الوصول إليها. ونحن حين نرغب في الوصول إلى مكان في الصحراء مثلاً، إنما نحدد أولاً المكان، ونختار طريق الوصول، فإن كان الطريق المستقيم مليئاً بالعقبات والجبال، فإنك ستضطر للانحراف عن هذا الطريق وصولاً إلى غايتك، فهذا الطريق المعوج هو الطريق المستقيم لأنه الطريق الذي يجنبنا العقبات. ومثال ذلك: السيول التي تنزل على هضباب الحبشة، فاختارت لنفسها المجرى السهل فكان نهر النيل، فلا أحد قد حفر النيل مثلما حفرنا الرياحات أو قناة السويس، بل نزل السيل واختار لنفسه الطريق السهل فسار فيه بين التعاريج والرمال والصخور.

السابقالتالي
2 3 4