الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

لقد أخرجنا من جَوٍّ صارمٍ وحديث في عقوبات إلى تقوى الله. والتقوى - كما نعرف - أن يجعل الإنسان بينه وبين ما يؤذيه وقاية. وعرفنا أن الحق سبحانه الذي يقول { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } هو بعينه الذي يقول " اتقوا النار " ، وعرفنا كيف نفهم تقوى الله. بأن نجعل بيننا وبين الله وقاية. وإن قال قائل: إن الحق سبحانه يطلب منا أن نلتحم بمنهجه وأن نكون دائماً في معيَّته. فلنجعل الوقاية بيننا وبين عقابه. ومن عقابه النار. إذن فقوله الحق: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي أن نتقي صفات الجلال، والنار من خلق الله وجنده. وقوله سبحانه: { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } أي نبحث عن الوُصْلة التي تُوصّلنا إلى طاعته ورضوانه وإلى محبّته. وها هناك وسيلة إلا ما شرَّعه الله سبحانه وتعالى؟ وهل يتقرَّب إنسان إلى أي كائن إلا بما يعلم أنه يُحبّه؟. وعلى المستوى البشري نحن نجد من يتساءل: ماذا يُحب فلان؟. فيقال له: فلان يُحب ربطات العنق فيُهديه عدداً من ربطات العُنق. ويقال أيضاً: فلان يحب المسبحة الجيدة، فيحضر له مسبحة رائعة. إذن كل إنسان يتقرّب إلى أي كائن بما يُحب، فما بالنا بالتقرب إلى الله؟. وما يُحبه سبحانه أوضحه لنا في حديثه القدسي: " من عادى لي وليَّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أَحبّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " فالحق سبحانه وتعالى يفسح الطريق أمام العبد، فيقول سبحانه في الحديث القدسي: " ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل " أي أن العبد يتقرب إلى الله بالأمور التي لم يلزمه الحق بها ولكنها من جنس ما افترضه سبحانه، فلا ابتكار في العبادات. إذن فابتغاء الوسيلة من الله هي طاعته والقيام على المنهج في " افعل " و " لاتفعل ". والوسيلة عندنا أيضاً هي منزلة من منازل الجنة. والرسول صلّى الله عليه وسلم طلب منا أن نسأل الله له الوسيلة فقال: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عليّ فإنه من صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة " ولا نريد أن ندخل هنا في مجال التوسل بالنبي أو الأولياء لأنها مسألة لا يصح أن تكون مثار خلاف من أحد.

السابقالتالي
2 3 4