الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ }

يعني تعالى ذكره بقوله: { ادْخُلُوها بِسَلامٍ } ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهمّ والغضب والعذاب، وما كنتم تَلقَونه في الدنيا من المكاره. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ادْخُلُوها بِسَلامٍ } قال: سَلِموا من عذاب الله، وسلَّم عليهم. وقوله: { ذلكَ يَوْمُ الخُلُودِ } يقول: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس صفته من إدخالي الجنة من أدخله، هو يوم دخول الناس الجنة، ماكثين فيها إلى غير نهاية. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { ذلكَ يَوْمُ الخُلُودِ } خلدوا والله، فلا يموتون، وأقاموا فلا يَظْعُنون، ونَعِمُوا فلا يبأسون. وقوله: { لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيها } يقول: لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أُزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذّه عيونهم. وقوله: { وَلَدَيْنا مَزِيدٌ } يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه. وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلى الله جلّ ثناؤه. ذكر من قال ذلك: حدثني أحمد بن سُهيل الواسطي، قال: ثنا قُرةُ بن عيسى، قال: ثنا النضر بن عربيّ جده، عن أنس، إن الله عزّ وجلّ إذا أسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هبط إلى مَرْج من الجنة أفيح، فمدّ بينه وبين خلقه حُجُباً من لؤلؤ، وحُجُباً من نور ثم وُضعت منابر النور وسُرُرُ النور وكراسيّ النور، ثم أُذِن لرجل على الله عزّ وجلّ بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَويّ تسبيح الملائكة معه، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا المجعول بيده، والمُعَلَّم الأسماء، والذي أُمرت الملائكة فسجدت له، والذي له أبيحت الجنة، آدم عليه السلام، قد أُذِن له على الله تعالى قال: ثم يؤذَن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور، يُسْمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه، وصَفُق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا الذي اتخذه الله خليلاً، وجعل عليه النار بَرْداً وسلاماً، إبراهيم قد أُذِن له على الله. قال: ثم أُذِن لرجل آخر على الله، بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذن له على الله؟ فقيل: هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقرّبه نجياً، وكلَّمه [كلاماً] موسى عليه السلام، قد أُذِن له على الله. قال: ثم يُؤذن لرجل آخر معه مثلُ جميع مواكب النبيين قبله، بين يديه أمثال الجبال، [من النور] يسمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا أوّل شافع، وأوّل مشفَّع، وأكثر الناس واردة، وسيد ولد آدم وأوّل من تنشقّ عن ذُؤابتيه الأرض، وصاحب لواء الحمد، أحمد صلى الله عليه وسلم، قد أُذِن له على الله.

السابقالتالي
2 3 4