الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ } من الأمم الخالية { رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحده { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ } هو كل ما يدعو إلى الضلالة، وقال الحسن: هو الشيطان، والمراد من اجتنابه اجتناب ما يدعو إليه. { فَمِنْهُمْ } أي من أولئك الأمم { مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } إلى الحق من عبادته أو اجتناب الطاغوت بأن وفقهم لذلك { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَـٰلَةُ } ثبتت ووجبت إذ لم يوفقهم ولم يرد هدايتهم، ووجه الإشارة أن تحقق الضلال وثباته من حيث إنه وقع قسيماً للهداية التي هي بإرادته تعالى ومشيئته كان هو أيضاً كذلك. وأما أن إرادة القبيح قبيحة فلا يجوز اتصاف الله سبحانه بها فظاهر الفساد لأن القبيح كسب القبيح والاتصاف به لا إرادته وخلقه على ما تقرر في الكلام. وأنت تعلم أن كلتا الإشارتين في غاية الخفاء، ولينظر أي حاجة إلى الحصر وما المراد به على جعلفَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ } [النحل: 35] إلى آخره مشيراً إلى جواب الشبهة الأولى.

وقال الإمام: إن المشركين أرادوا من قولهم ذلك أنه لما كان الكل من الله تعالى كان بعثه الأنبياء عليهم السلام عبثاً فنقول: هذا اعتراض على الله تعالى وجار مجرى طلب العلة في أحكامه تعالى وأفعاله وذلك باطل إذ لله سبحانه أن يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يجوز أن يقال له لم فعلت هذا ولم لم تفعل ذاك. والدليل على أن الإنكار إنما توجه إلى هذا المعنى أنه تعالى صرح بهذا المعنى في قوله سبحانه: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا } إلى آخره حيث بين فيه أن سنته سبحانه في عباده إرسال الرسل إليهم وأمرهم بعبادته ونهيهم عن عبادة غيره، وأفاد أنه تعالى وإن أمر الكل ونهاهم إلا أنه جل جلاله هدى البعض وأضل البعض، ولا شك أنه إنما يحسن منه تعالى ذلك بحكم كونه إلهاً منزهاً عن اعتراضات المعترضين ومطالبات المنازعين، فكان إيراد هذا السؤال من هؤلاء الكفار موجباً للجهل والضلال والبعد عن الله المتعال، فثبت أن الله تعالى إنما ذم هؤلاء القائلين لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل لا لأنهم كذبوا في قولهم ذلك، وهذا هو الجواب الصحيح الذي يعول عليه في هذا الباب، ومعنىفَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ } [النحل: 35] إلى آخره أنه تعالى أمر الرسل عليهم السلام بالتبليغ فهو الواجب عليهم، وأما أن الإيمان هل يحصل أَو لا يحصل فذاك لا تعلق للرسل به ولكن الله تعالى يهدي من يشاء بإحسانه ويضل من يشاء بخذلانه اهـ وهو كما ترى.

/ ونقل الواحدي في " الوسيط " عن الزجاج أنهم قالوا ذلك على الهزو ولم يرتضه كثير من المحققين، وذكر بعضهم أن حمله على ذاك لا يلائم الجواب.

السابقالتالي
2 3