الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } * { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ }

يقول تعالى ذكره: ولقد أنذر لوط قومه بطشتنا التي بطشناها قبل ذلك { فَتمارَوْا بالنُّذُر } يقول: فكذّبوا بإنذاره ما أنذرهم من ذلك شكاً منهم فيه. وقوله: { فَتمارَوْا } تفاعلوا من المرية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَتَمارَوْا بالنُّذُرِ } لم يصدّقوه، وقوله: { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ } يقول جلّ ثناؤه: ولقد راود لوطاً قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم { فَطَمَسْنا أعْيُنَهُم } يقول: فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شقّ، فلم يبصروا ضيفه. والعرب تقول: قد طمست الريح الأعلام: إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، كما قال كعب بن زُهَير:
مِنْ كُلّ نَضَّاخَةِ الذّفْرَى إذَا اعْترَقَتْ   عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ
يعني بقوله: طامِسُ الأعْلامِ: مندفن الأعلام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ } قال: عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ } وذُكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطاً، وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه، فصفقهم بجناحه، وتركهم عمياً يتردّدون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ } قال: هؤلاء قوم لوط حين راودوه عن ضيفه، طمس الله أعينهم، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون، فقالوا: إنا لا نترك عملنا فإياك أن تُنْزِل أحداً أو تُضيفه، أو تدعه ينزل عليك، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا. قال: فلما جاءه المرسلون، خرجت امرأته الشقية من الشقّ، فأتتهم فدعتهم، وقالت لهم: تعالوا فإنه قد جاء قوم لم أر قطّ أحسن وجوهاً منهم، ولا أحسن ثياباً، ولا أطيب أرواحاً منهم، قال: فجاؤوه يهرعون إليه، فقال: إن هؤلاء ضيفي، فاتقوا الله ولا تحزوني في ضيفي، قالوا: أو لم ننهك عن العالمين؟ أليس قد تقدمنا إليك وأعذرنا فيما بيننا وبينك؟ قال: هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم فقال له جبريل عليه السلام: ما يهولك من هؤلاء؟ قال: أما ترى ما يريدون؟ فقال: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك، لتصنعنّ هذا الأمر سرّاً، وليكوننّ فيه بلاء قال: فنشر جبريل عليه السلام جناحاً من أجنحته، فاختلس به أبصارهم، فطمس أعينهم، فجعلوا يجول بعضهم في بعض، فذلك قول الله: { فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ }.

السابقالتالي
2