الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } أي: بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به فيما تقدم { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } أي: ولا يكونون سبب الإحسان، بل يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم.

فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتاً للسخاء ممن وجد، وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره، قال:
وإن امرءا ضنّت يداه على امرئ   بنيل يدٍ من غيره لبخيل
قال الزمخشريّ بعد حكاية ما تقدم: ولقد رأينا ممن بُلي بداء البخل، مَنْ إذا طرق سمعه أن أحداً جاد على أحد، شخص به، وحل حبوته واضطرب، ودارت عيناه في رأسه، كأنما نهب رحله، وكسرت خزانته، ضجراً من ذلك وحسرة على وجوده. انتهى.

{ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي: من المال والغنى، فيوهمون الفقر مع الغنى والإعسار مع اليسار والعجز مع الإمكان { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } وضع الظاهر موضع المضمر إشعاراً بأن مَن هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله تعالى، ومن كان كافراً بنعمة الله تعالى فله عذاب يهينه، كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.

فائدة

قال أبو البقاء: في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } وجهان: أحدهما: هو منصوب بدل من: (مَنْ) في قوله:مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [النساء: 36] وجمع على معنى: (مَن) ويجوز أن يكون محمولاً على قوله: { مُخْتَالاً فَخُوراً } وهو خبر: { كَانَ } وجمع على المعنى أيضاً، أو على إضمار: أذم. والثاني - أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: مبغضون، ودل عليه ما تقدم من قوله: { لاَ يُحِبُّ } ويجوز أن يكون الخبر: معذبون، لقوله: { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } ويجوز أن يكون التقدير: هم الذين، ويجوز أن يكون مبتدأ:وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ } [النساء: 38] معطوف عليه، والخبر:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ } [النساء: 40] أي: يظلمهم.

ثم قال: والبُخْل والبَخَل لغتان: وقد قرئ بهما، وفيه لغتان أُخريان البُخُل بضم الخاء والباء، والبَخْل بفتح وسكون الخاء. انتهى.