الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

قوله تعالى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } انعم الله عليه بمعرفته وانعمت عليه بصحبتك ونظرك اليه بالمحبة قال ابن عطا انعم الله عليه بمحبتك وانعمت عليه بالتثني قال بعضهم انعم الله عليه بالمعرفة وانعمت عليه بالعتق قوله تعالى { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } ان الله سبحانه ابتلى نبيه صلى الله عليه وسلم بالعشق الانسانى وذلك انه انفرد بالحق مما دون الحق وخاض فى بحر الوحدانية على شريطة الفناء وكان يفنى عن الفناء ويغيب من غلبات سطوات العظمة عليه فاراه جمال جلاله صرفا فلم يحتمل ايضا حقيقة ذوق المشاهدة والجمال عيانا فسهل الله عليه بان تجلى له بنور المحبة ونور الجمال من مرآة وجه الإنساني فطاب سره بذلك واحتمل روحه لطائف تلك المحبة واستانس بشقيقة شقائق ورد مشاهدة القدس فى محل الانس لكن خاف على الخلق ان يظهر لهم احواله لا يعرفون سر العشق فيهلكون فرفع الله عنه وحشة ذلك وامره بان يظهر ذلك ولا يلتفت الى غير الله فى العشق فان العشق باق فى العشق ويسقط عنه ملامة اللائمين وخوف النبى صلى الله عليه وسلم من الخلق رحمة وشفقة على امنه بقوله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه كان عليه الصلاة والسّلام اخفى ذلك السر فى نفسه من حيث التمكين والله مبديه بانه يقهر على المتمكنين بسواقي العشق القديم وكيف يوازى الحدث القدم وقد ذكرت معنى قوله وتخشى الناس { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } اى لا تراع الخلق فى مقام المحبة وراع الحق فانه احق ان تراعيه بان الحدث يفنى ويبقى القدم قال ابن عطا تخفى فى نفسك ما اظهر الله لك من ان يزوجها منك وتخشى ان تظهر للناس ذلك فيفتتنوا قال ايضا تخشى الناس ان يهلكوا فى شان زيد فذلك من تمام شفقته على الامة والله احق ان تخشاه ان تبتهل اليه ليزيل عنهم ما تخشى فيهم قوله تعالى { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } حكم الله فى ذلك ان غيرة الازل سابقة على عشق النبى صلى الله عليه وسلم المتفرد عما دون الله حتى تزيله بنعت الغيرة وسر الجبروت من كل ما سوى الله وذلك ان زيداً قضى وطره منها ليذكره النبى صلى الله عليه وسلم ذلك فى حال معاشرة معها فيضيق صدره بذلك ويضطرب حاله وينقبض سره ويرجع الى الله بالكلية لان هناك له طيب العشق هنيا سرمدا ومقصود الحق من ذلك عذر العاشقين من امته حتى لا يقدح الناس فى احوالهم قال الله { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } فان العشق المحمود العفيف المطهر من غبار الوسوسة وهواجس النفسانية والشيطانية مقرب العاشقين الى عشق الالوهية ومشاهدة الازلية قيل قرئ عند ذى النون هذه الأية فتاوَّة تاوَّها ثم قال ذهب بها والله زيد وما على زيد لو فارق الكونين بعد ان ذكره الله من بين اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم باسمه بقوله فلما قضى زيد قال يوسف بن الحسين سئل ذو النون وانا حاضر عن قوله فلما قضى زيدا ترى كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتشم زيدا اذا رآه فقال ذو النون كيف لا يقول فترى كان زيد يحتشم النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذا رآه اذا قيم لالتماس شئ كان العافية قد حكمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم آجلا وانما كانت عارية عند زيد قوله تعالى { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } رضى الحق فى الازل من حالة عشق النبى صلى الله عليه وسلم كان سنة الانبياء قيل بقوله { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } قال سهل اى معلوما قبل وقوعه عنكم وهل يقدر احد ان يجاوز المقدور.