الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

{ رَبَّنَا } قال في «البحر» كرر النداء رغبة في الإجابة والالتجاء إليه تعالى، وأتى بضمير الجماعة لأنه تقدم ذكره عليه السلام وذكر بنيه في قوله:وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ } [إبراهيم: 35] وتعقب بأن ذلك يقتضي ضمير الجماعة فيرَبّ إِنَّهُنَّ } [إبراهيم: 36] الخ مع أنه جيء فيه بضمير الواحد، فالوجه إن ذلك لأن الدعاء المصدر به وما هو بصدد تمهيد مبادىء إجابته من قوله: { إِنَّى أَسْكَنتُ } الخ متعلق بذريته، فالتعرض لوصف ربوبيته تعالى لهم أدخل في القبول وإجابة المسؤول، والتأكيد لمزيد الاعتناء فيما قصده من الخبر { وَمِنْ } في قوله { مِن ذُرّيَّتِى } بمعنى بعض وهي في تأويل المفعول به أي أسكنت بعض ذريتي، ويجوز أن يكون المفعول محذوفاً والجار والمجرور صفته سدت مسده أي أسكنت ذرية من ذريتي { وَمِنْ } تحتمل التبعيض والتبيين. وزعم بعضهم أن { مِنْ } زائدة على مذهب الأخفش لا يرتضيه سليم البصيرة كما لا يخفى، والمراد بالمسكن إسمٰعيل عليه السلام ومن سيولد له فإن إسكانه حيث كان على وجه الاطمئنان متضمن لإسكانهم، والداعي للتعميم على ما قيل قوله الآتي: { لِيُقِيمُواْ } الخ، ولا يخفى أن الإسكان له حقيقة ولأولاده مجاز، فمن لم يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز يرتكب لذلك عموم المجاز، وهذا الإسكان بعدما كان بينه عليه السلام وبين أهله ما كان. وذلك أن هاجر أم إسمٰعيل كانت أمة من القبط لسارة فوهبتها من إبراهيم عليه السلام فلما ولدت له إسمٰعيل غارت فلم تقاره على كونه معها فأخرجها وابنها إلى أرض مكة فوضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى منطلقاً فتبعته هاجر فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء قالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم قالت: إذن لا يضيعنا ثم رجعت، وانطلق عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت وكان إذ ذاك مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه فقال: { رَبّ إِنّى أَسْكَنتُ - إِلَى - لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } ثم إنها جعلت ترضع ابنها وتشرب مما في السقاء حتى إذا نفد عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت/ عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر فهبطت حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزته ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً فلم تر ففعلت ذلك سبع مرات ولذلك سعى الناس بينهما سبعاً، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضاً فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتغرف منه في سقائها وهو يفور فشربت وأرضعت ولدها وقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فإن هٰهنا بيت الله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله سبحانه لا يضيع أهله، ثم إنه مرت بهما رفقة من جرهم فرأوا طائراً عائفاً فقالوا: لا طير إلا على الماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا بالماء فأتاهم فقصدوه وأم إسماعيل عنده، فقالوا: أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت، فلما أدرك إسماعيل عليه السلام زوجوه أمرأة منهم وتمام القصة في كتب السير.

السابقالتالي
2 3 4 5 6