الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

{ أَهُمْ خَيْرٌ } في القوة والمنعة { أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } هو تبع الأكبر الحميري واسمه أسعد بهمزة، وفي بعض الكتب سعد بدونها وكنيته أبو كَرِب وكان رجلاً صالحاً. أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: كان تبع رجلاً صالحاً ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلماً، وأخرج أحمد والطبراني وابن أبـي حاتم وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم " وأخرج ابن عساكر وابن المنذر عن ابن عباس قال: سألت كعباً عن تبع فإني أسمع الله تعالى يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعاً فقال: إن تبعاً كان رجلاً من أهل اليمن ملكاً منصوراً فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند فرجع فأخذ طريق الشام فأسر بها أحباراً فانطلق بهم نحو اليمن حتى إذا دنا من ملكه طار في الناس أنه هادم الكعبة فقال له الأحبار: ما هذا الذي تحدث به نفسك فإن هذا البيت لله تعالى وإنك لن تسلط عليه فقال: إن هذا لله تعالى وأنا أحق من حرمه فأسلم من مكانه وأحرم فدخلها محرماً فقضى نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعاً حتى قدم على قومه فدخل عليه أشرافهم فقالوا: يا تبع أنت سيدنا وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره فاختر منا أحد أمرين إما تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت وإما أن تذر دينك الذي أحدثت - وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء - فقال الأحبار عند ذلك: اجعل بينك وبينهم النار فتواعد القوم جميعاً على أن يجعلوها بينهم فجيء بالأحبار وكتبهم وجيء بالأصنام وعمارها وقدموا جميعاً إلى النار وقامت الرجال خلفهم بالسيوف فهدرت النار هدير الرعد ورمت شعاعاً لها فنكص أصحاب الأصنام وأقبلت النار وأحرقت الأصنام وعمارها وسلم الآخرون فأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذلك عمر تبع حتى إذا نزل بتبع الموت استخلف أخاه وهلك فقتلوا أخاه وكفروا صفقة واحدة.

وفي رواية عن ابن عباس أن تبعاً لما أقبل من الشرق بعد أن حير الحيرة - أي بناها ونظم أمرها ـ وهي بكسر الحاء المهملة وياء ساكنة مدينة بقرب الكوفة ـ / وبنى سمرقند وهي مدينة بالعجم معروفة، وقيل: إنه هدمها وقصد المدينة وكان قد خلف بها حين سافر ابناً له فقتل غيلة فأجمع على خرابها واستئصال أهلها فجمع له الأنصار وخرجوا لقتاله وكانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام فبينما هو على ذلك إذ جاءه كعب وأسد ابنا عم من قريظة حبران وأخبراه أنه يحال بينك وبين ما تريد فإنها مهاجر نبـي من قريش اسمه محمد صلى الله عليه وسلم ومولده بمكة فثناه قولهما عما يريد ثم دعواه إلى دينهما فاتبعهما وأكرمهما فانصرفوا عن المدينة ومعهم نفر من اليهود فقال له في الطريق نفر من هذيل: ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وذهب وفضة بمكة وأرادت هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه ما أراده أحد بسوء إلا هلك فذكر ذلك للحبرين فقالا: ما نعلم لله عز وجل بيتاً في الأرض اتخذه لنفسه غير هذا فاتخذه مسجداً وانسك عنده واحلق رأسك وما أراد القوم إلا هلاكك فأكرمه وكساه وهو أول من كسى البيت وقطع أيدي أولئك النفر من هذيل وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم.

السابقالتالي
2 3 4 5