الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً }

{ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا } بدلٌ من ربِّك وقولُه تعالَى: { ٱلرَّحْمَـٰنُ } صفةٌ له وقيلَ: صفةٌ للأولِ وأياً ما كانَ ففي ذكرِ ربوبـيتِه تعالى للكلِّ ورحمتِه الواسعةِ إشعارٌ بمدارِ الجزاءِ المذكورِ. وقوله تعالى: { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } استئنافٌ مقررٌ لما أفادَهُ الربوبـيةُ العامةُ من غايةِ العظمةِ والكبرياءِ واستقلالِه تعالى ما ذُكِرَ من الجزاءِ والعطاءِ من غيرِ أنْ يكونَ لأحدٍ قدرةٌ عليهِ. وقُرِىءَ برفعِهما فقيلَ على أنَّهما خبرانِ لمبتدأٍ مضمرٍ وقيلَ: الثَّانِي نعتٌ للأولِ وقيلَ: الأَولُ مبتدأٌ والثاني خبرُهُ ولا يملكونَ خبرٌ آخرُ أو هو الخبرُ والرحمنُ صفةٌ للأولِ، وقيلَ: لا يملكونَ حالٌ لازمةٌ وقيلَ: الأولُ مبتدأٌ والرحمنُ مبتدأٌ ثانٍ ولا يملكونَ خبرُهُ والجملةُ خبرٌ للأولِ، وحصلَ الربطَ بتكريرِ المبتدأِ بمعناهُ على رأي مَنْ يقولُ بهِ والأوجهُ أنْ يكونَ كلاهُما مرفوعاً على المدحِ أو يكونَ الثانِي نعتاً للأولِ ولا يملكونَ استئنافاً على حالِه ففيهِ ما ذُكرَ من لإشعارِه بمدارِ الجزاء والعطاءِ كما في البدليةِ لما أنَّ المرفوعَ أو المنصوبَ مدحاً تابعٌ لما قبلَهُ مَعْنى وإنْ كان مَنقطعاً عنه إعراباً كما فُصِّل في قولِه تعالى:ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } [سورة البقرة، الآية 3] من سورةِ البقرةِ وقُرِىءَ بجرِّ الأولِ على البدليةِ ورفعِ الثانِي على الابتداءِ والخبرُ ما بعدَهُ أو على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ مضمرٍ وما بعدَهُ استئنافٌ أو خبرٌ ثانٍ أو حالٌ وضميرُ لا يملكونَ لأهلِ السمواتِ والأرضِ أي لايملكونَ أنْ يخاطبُوه تعالَى من تلقاءِ أنفسِهم كما ينبىءُ عنه لفظُ الملكِ خطاباً مَا في شيءٍ مَا والمرادُ نفيُ قدرتِهم على أنْ يخاطبُوه تعالَى بشيءٍ من نقضِ العذابِ أو زيادةِ الثوابِ من غيرِ إذنِه على أبلغِ وجهٍ وآكدِه وقيلَ ليسَ في أيديهم ممَّا يخاطبُ الله بهِ ويأمرُ به في أمرِ الثوابِ والعقابُ خطابٌ واحدٌ يتصرفونَ فيه تصرفَ الملاَّكِ فيزيدونَ فيهِ أو ينقصونَ منْهُ { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } قيلَ: الروحُ خلقٌ أعظمُ من الملائكةِ وأشرفُ منهم وأقربُ من ربِّ العالمينَ وقيل: هو مَلكٌ ما خلقَ الله عزَّ وجلَّ بعدَ العرشِ خلقاً أعظمَ منْهُ. عنِ ابنٍ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا أنَّه إذا كانَ يومُ القيامةِ قامَ هو وحدَهُ صَفّاً والملائكةُ كلُّهم صفاً.وعنْهُ عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: " " الروحُ جندٌ من جنودِ الله تعالى ليسُوا ملائكةً لهم رؤوسٌ وأيدٍ وأرجلٌ يأكلونَ الطعامَ " ثُمَّ قرأَ { يومَ يقومُ الروحُ } الآيةَ " وهذَا قولُ أبـي صالحٍ ومجاهدٍ قالُوا ما ينزلُ من السماءِ ملكٌ إلا ومعه واحدٌ منُهم نقلَهُ البغويُّ. وقيل: هم أشرافُ الملائكةُ وقيلَ: هم حفظةٌ على الملائكةِ وقيلَ: جبريلُ عليهِ السَّلامُ. وصفَّا حالٌ أي مصطفينَ قيلَ: هما صفَّانِ الروحُ صفٌّ واحدٌ أو متعددٌ والملائكةُ صفٌّ وقيلَ: صفوفٌ وهو الأوفقُ لقولِه تعالى:

السابقالتالي
2