الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً }

{ يوم يقوم الروح والملائكة صفا } اخر الملائكة هنا تعميما بعد التخصيص واخر الروح فى القدر تخصيصا بعد التعميم فالظاهر أن الروح من جنس الملائكة لكنه اعظم منهم خلقا ورتبة وشرفا اذ هو بمقابلة الروح الانسانى كما ان الملائكة بمقابلة القوى الروحانية ولا شك ان الروح اعظم من قواه التابعة له كالسلطان مع امرآئه وجنده ورعاياه وتفسير الروح بجبريل ضعيف وان كان هو مشتهرا بكونه روح القدس والروح الامين اذ كونه روحا ليس بالنسبة الى ذاته والا فالملائكة كلهم روحانيون وان كانوا اجساما لطيفة غير الارواح المهمية وانما هو بالنسبة الى كونه نافخ الروح وحامل الوحى الذى هو كالروح فى الاحياء وقد اتفقوا على ان اسرافيل اعظم من جبريل ومن غيره فلو كان احد يقوم صفا واحدا لكان هو اسرافيل دون جبراآئيل والله اعلم بمراده من الروح وان اختلفت الروايات فيه هذا ما لاح لى فى هذا المقام بعون الملك العلام وصفا حال اى مصطفين لكثرتهم وقيامهم بما امر الله فى امر العباد وقيل هما صفان الروح صف والملائكة صف وقيل صفوف وهو الاوفق لقوله تعالى { والملائكة صفا } ويوم ظرف لقوله تعالى { لا يتكلمون } وقوله تعالى { الا من اذن له الرحمن وقال صوابا } بدل من ضمير لا يتكلمون العائد الى اهل السموات والارض الذين من جملتهم الروح والملائكة وهو أرجح لكون الكلام غير موجب والمستثنى منه مذكور وفى مثله يختار البدل على الاستثناء وذكر قيامهم واصطفافهم لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء ربوبيته وتهويل يوم البعث الذى عليه مدار الكلام من مطلع السورة الى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى لا يتكلمون الخ ومؤكد له على معنى ان اهل السموات والارض اذ لم يقدروا يومئذ على ان يتكلموا بشئ من جنس الكلام الا من اذن الله له منهم فى التكلم وقال ذلك المأذون له قولا صوابا اى حقا صادقا او واقعا فى محله من غير خطأ فى قوله فكيف يملكون خطاب رب العزة مع كونه اخص من مطلق الكلام واعز منه مراما وقيل الا من اذن الخ منصوب على اصل الاستثناء والمعنى لا يتكلمون الا فى حق شخص اذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صوابا اى حقا هو التوحيد وكلمة الشهادة دون غيره من اهل الشرك فانهم مما يقولوا فى الدنيا صوابا بل تفوهوا بكلمة الكفر والشرك واظهار الرحمن فى موقع الاضمار للايذان بأن مناط الاذن هو الرحمة البالغة لا ان احدا يستحقه عليه تعالى وفى عرآئس البقلى من كان كلامه فى الدنيا من حيث الاحوال والاحوال من حيث الوجد والوجد من حيث الكشف والكشف من حيث المشاهدة والمشاهدة من حيث المعاينة فهو مأذون فى الدنيا والآخرة يتكلم مع الحق على بساط الحرمة والهيبة ينقذ الله به الخلائق من ورطة الهلاك قال ابن عطاء الخالص ما كان لله والصواب ما كان على وجه السنة وقال بعضهم انما تظهر الهيبة على العموم لاهل الجمع فى ذلك اليوم واما الخواص واصحاب الحضور فهم ابدا بمشهد العز بنعت الهيبة وفيه اشارة الا ان الاسرار والقلوب وقواهم الكائنين بين سموات الارواح وبين ارض النفوس لا يملكون أن يخاطبوا الحق فى شفاعة النفس الامارة والهوى المتبع بسبب لحمة النسب الواقع بينهم اذ الكل اولاد الروح والقالب كما لم يملك نوح عليه السلام أن يخاطب الحق فى حق ابنه كنعان بمعنى انه لم يقدر على انجائه اذ جاء الخطاب بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم.