الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ }

{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي المعهودين وهم أبو سفيان وأصحابه، واللام عند جمع للتعليل أي قل لأجلهم { إن يَنْتَهُوا } عما هم فيه من معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول في الإسلام { يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } منهم من الذنوب التي من جملتها المعاداة والانفاق في الضلال، وقال أبو حيان: الظاهر أن اللام للتبليغ وأنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يقول هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ هذه الجملة المحكية بالقول سواء قاله بهذه العبارة أم غيرها، وهذا الخلاف إنما هو على قراءة الجماعة وأما على قراءة ابن مسعود { إن تنتهوا يغفر لكم } بالخطاب فلا خلاف في أنها للتبليغ على معنى خاطبهم بذلك، وقرىء { نغفر لهم } على أن الضمير لله عز وجل { وَإِن يَعُودُواْ } إلى قتاله صلى الله عليه وسلم أو إلى المعاداة على معنى إن داوموا عليها { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلأَوَّلِينِ } أي عادة الله تعالى الجارية في الذين تحزبوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نصر المؤمنين عليهم وخذلانهم وتدميرهم. وأضيفت السنة إليهم لما بينهما من الملابسة الظاهرة، ونظير ذلك قوله سبحانه:سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا } [الإسراء: 77] فأضاف السنة إلى المرسلين مع أنها سنته تعالى لقوله سبحانه:وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } [الإسراء: 77] باعتبار جريانها على أيديهم، ويدخل في الأولين الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر، وبعضهم فسره بذلك ولعل الأول أولى لعمومه ولأن السنة تقتضي التكرر في العرف وإن قالوا: العادة تثبت بمرة، والجملة على ما في «البحر» دليل الجواب، والتقدير إن يعودوا انتقمنا منه أو نصرنا المؤمنين عليهم فقد مضت سنة الأولين، وذهب غير واحد إلى أن المراد بالذين كفروا الكفار مطلقاً، والآية حث على الإيمان وترغيب فيه، والمعنى أن الكفار أن انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما سلف منهم من الكفر والمعاصي وخرجوا منها كما تنسل الشعرة من العجين وإن عادوا إلى الكفر بالارتداد فقد رجع التسليط والقهر عليهم.

واستدل بالآية على أن الإسلام يجب ما قبله، وأن الكافر إذا أسلم لا يخاطب بقضاء ما فاته من صلاة أو زكاة أو صوم أو إتلاف مال أو نفس، وأجرى المالكية ذلك كله في المرتد إذا تاب لعموم الآية، واستدل بها على إسقاط ما على الذمي من جزية وجبت عليه قبل إسلامه، وأخرج ابن أبـي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك قال: لا يؤاخذ الكافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم وذلك لأن الله تعالى قال: { إِن يَنتَهُواْ } الخ. وقال بعض: إن الحربـي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة أصلاً وأما الذمي فلا يلزمه قضاء حقوق الله تعالى وتلزمه حقوق العباد، ونسب إلى الإمام أبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه أن مذهبه في المرتد كمذهب المالكية في أنه إذا رجع إلى الإسلام لم تبق عليه تبعة وهو كالصريح في أن من عصى طول العمر ثم ارتد ثم أسلم لم يبق عليه ذنب.

السابقالتالي
2 3