الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ }

قوله تعالى: { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } أي يمحو من ذلك الكتاب ما يشاء أن يوقعه بأهله ويأتي به. «وَيُثْبِتُ» ما يشاء أي يؤخره إلى وقته يقال: محوت الكتاب محواً، أي أذهبت أثره. «وَيُثْبِتُ» أي ويثبِته كقوله:وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } [الأحزاب: 35] أي والذاكرات الله. وقرأ ٱبن كثيِر وأبو عمرو وعاصم «وَيُثْبِتُ» بالتخفيف، وشَدّد الباقون وهي قراءة ٱبن عباس، وٱختيار أبي حاتم وأبي عبيد لكثرة من قرأ بها لقوله:يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [إبراهيم: 27]. وقال ٱبن عمر: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: " يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت " وقال ابن عباس: يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء الخَلق والخُلُق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة وعنه: هما كتابان سوى أمّ الكتاب، يمحو الله منهما ما يشاء ويثبت. { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } الذي لا يتغيّر منه شيء. قال القُشَيْريّ: وقيل السعادة والشقاوة والخَلق والخُلُق والرزق لا تتغير فالآية فيما عدا هذه الأشياء وفي هذا القول نوع تحكّم. قلت: مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد، وإنما يؤخذ توقيفاً، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء، وهو الأظهر والله أعلم وهذا يروى معناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وٱبن مسعود وأبي وائل وكعب الأحبار وغيرهم، وهو قول الْكَلْبِيّ. وعن أبي عثمان النَّهْدِيّ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. وقال ابن مسعود: اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فٱمحني من الأشقياء وٱكتبني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. وكان أبو وائل يكثر أن يدعو: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح وٱكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبِت وعندك أمّ الكتاب. وقال كعب لعمر بن الخطاب: لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة. «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ». وقال مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها: اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدِلها غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. وقد تقدّم في الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من سَرّه أن يُبْسَط له في رزقه ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ فلْيَصِلْ رَحِمَه "

السابقالتالي
2 3