الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أمره بالصبر على ما يقوله المشركون أي هَوِّن أَمرَهم عليك. ونزلت قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة. وقيل: هو ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته. وقيل معناه: فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم: إن الله ٱستراح يوم السبت. الثانية ـ قوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } قيل: إنه أراد به الصلوات الخمس. قال أبو صالح: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل الغروب صلاة العصر. ورواه جرير بن عبد الله مرفوعاً قال: كنا جلوساً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: " أَمَا إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته فإن ٱستطعتم ألا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ـ يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير ـ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } " متفق عليه واللفظ لمسلم. وقال ابن عباس: «قَبْلَ الْغُرُوبِ» الظهر والعصر. { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } يعني صلاة العشاءين. وقيل: المراد تسبيحه بالقول تنزيهاً قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قاله عطاء الخراسانيّ وأبو الأحوص. وقال بعض العلماء في قوله: { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } قال ركعتي الفجر { وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } الركعتين قبل المغرب وقال ثُمَامة ٱبن عبد الله بن أنس: كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يُصلُّون الركعتين قبل المغرب. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذِّنُ لصلاة المغرب ٱبتدروا السَّوَارِي فركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صُليت من كثرة من يصلّيهما. وقال قتادة: ما أدركت أحداً يُصلِّي الركعتين إلا أَنساً وأبا بَرْزَة الأسلمي. الثالثة ـ قوله تعالى: { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } فيه أربعة أقوال: الأول ـ هو تسبيح الله تعالى في الليل، قاله أبو الأحوص. الثاني ـ أنها صلاة الليل كله، قاله مجاهد. الثالث ـ أنها ركعتا الفجر، قاله ٱبن عباس. الرابع ـ أنها صلاة العشاء الآخرة، قاله ٱبن زيد. قال ابن العربي: من قال إنه التسبيح في الليل فيعضُده الصحيح: «مَنْ تَعَارّ من الليل فقال لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم». وأما من قال إنها الصلاة بالليل فإن الصلاة تسمى تسبيحاً لما فيها من تسبيح الله، ومنه سُبْحة الضحى.

السابقالتالي
2