الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

يقول تعالى ذكره: { ذلكَ اليَوْمُ } يعني: يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفاً { الْحَقُّ }: يقول: إنه حقّ كائن، لا شكّ فيه. وقوله: { فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مآباً } يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحقّ، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله { مآباً } ، يعني: مرجعاً وهو مَفْعَل، من قولهم: آب فلان من سفره، كما قال عُبَيد:
وكُلُّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُبُ   وغائِبُ المَوْت لا يَؤُبُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مآباً } قال: اتخذوا إلى الله مآباً بطاعته، وما يقرّبهم إليه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { إلى رَبِّهِ مآباً } قال: سبيلاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { مآباً } يقول: مرجعاً منزلاً. وقوله: { إنَّا أنْذَرْناكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } يقول: إنا حذْرناكم أيها الناس عذاباً قد دنا منكم وقرُب، وذلك { يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ } المؤمن { ما قَدَّمَتْ يَدَاهُ } من خير اكتسبه في الدنيا، أو شر سَلَفَهُ، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن { يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَدَاهُ } قال: المرء المؤمن يحذَر الصغيرة، ويخاف الكبيرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جَحَّادة، عن الحسن { يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَدَاهُ } قال: المرء المؤمن. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، في قوله: { يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَدَاهُ } قال: المرء المؤمن. وقوله: { وَيَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً } يقول تعالى ذكره: ويقول الكافر يومئذٍ تمنياً لما يلقى من عذاب الله الذي أعدّه لأصحابه الكافرين به: يا ليتني كنت تراباً، كالبهائم التي جُعِلت تُراباً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ، قالا: ثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو، قال: إذا كان يوم القيامة، مدّ الأديم، وحشر الدوابّ والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدوابّ، يقتصّ للشاة الجَمَّاء من الشاة القَرْناء نَطْحَتها، فإذا فُرِغ من القِصاص بين الدوابّ، قال لها: كوني تراباً، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر قال: وحدثني جعفر بن بُرْقان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة، قال: إن الله يحشرُ الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير كونوا تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً.

السابقالتالي
2