الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

قوله تعالى: { رَّبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ }: قرأ ٱبن مسعود ونافع وأبو عمرو وٱبن كثير وزيد عن يعقوب، والمفضل عن عاصم: «رَبُّ» بالرفع على الاستئناف، «الرحمنُ» خبره. أو بمعنى: هو رب السموات، ويكون «الرحمن» مبتدأ ثانياً. وقرأ ٱبن عامر ويعقوب وٱبن محيصن كلاهما بالخفض، نعتاً لقوله: { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ } أي جزاء من ربك رب السموات الرحمنِ. وقرأ ٱبن عباس وعاصم وحمزة والكسائي: «رَبِّ السموات» خفضاً على النعت، «الرحمن» رفعاً على الابتداء، أي هو الرحمن. وٱختاره أبو عُبيد وقال: هذا اعدلُها خفض «رَبِّ» لقربه من قوله { مِّن رَّبِّكَ } فيكون نعتاً له، ورفع «الرحمن» لبعده منه، على الاستئناف، وخبرهُ { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } أي لا يملكون أن يسألوه إلاّ فيما أَذِن لهم فيه. وقال الكسائي: «لا يملِكون مِنه خِطابا» بالشفاعة إلا بإذنه. وقيل: الخطاب: الكلام أي لا يملكون أن يخاطبوا الربَّ سبحانه إلا بإذْنه دليله:لا تَكَلَّم نفس إِلا بِإذْنِهِ } [هود: 105]. وقيل: أراد الكفار «لا يمِلكُون منه خِطاباً»، فأمّا المؤمنون فيَشْفَعُون. قلت: بعد أن يُؤْذن لهم لقوله تعالى:مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة: 255] وقوله تعالى:يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [طه: 109]. قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } «يومَ» نصب على الظرف أي يوم لا يملِكون منه خطاباً يومَ يقوم الروح. وٱختلف في الروح على أقوال ثمانية: الأوّل ـ أنه مَلَك من الملائكة. قال ٱبن عباس: ما خلق الله مخلوقاً بعد العرش أعظم منه، فإذا كان يومُ القيامة قام هو وحده صفّاً، وقامت الملائكة كلهم صفّاً، فيكون عِظَمُ خَلْقه مثل صفوفهم. ونحو منه عن ٱبن مسعود قال: الروح ملك أعظم من السموات السبع، ومن الأرضين السبع، ومن الجبال. وهو حِيال السماء الرابعة، يسبحُ اللَّهَ كل يوم ٱثنتي عشرة ألفَ تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكاً، فيجيء يوم القيامة وحده صفّاً، وسائر الملائكة صَفاً. الثاني ـ أنه جبريل عليه السلام. قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير. وعن ٱبن عباس: إن عن يمين العرش نَهْراً من نور، مثلَ السموات السبع، والأرضين السبع، والبحار السبع، يَدْخل جبريل كل يوم فيه سحراً فيغتسل، فيزداد نوراً على نوره، وجمالاً على جماله، وعظماً على عظمه، ثم ينتفض فيخلق الله من كل قطرة تقع من ريشه سبعين ألفَ مَلَك، يدخل منهم كل يوم سبعون ألفاً البيت المعمور، والكعبة سبعون ألفاً لا يعودُون إليهما إلى يوم القيامة. وقال وهب: إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله تعالى تَرعَّدَ فرائصُه يخلق الله تعالى من كل رَعدة مائة ألف مَلَك، فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسة رؤوسهم، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا: لا إله إِلا أنت وهو قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في الكلام «وقال صواباً» يعني قول: «لا إله إلا أنت».

السابقالتالي
2 3 4