الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ }

قوله: { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ }.

روي أنَّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه، ويستهزئون به ويكذبونه، ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنَّها قبلهم، فنزلت هذه الآية إلى قوله: { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ }.

وقال أبو مسلمٍ: ظاهر الآية يدل على أنهم هم المنافقون، فهم الذين كانوا عنده، وإسراعهم المذكور هو الإسراعُ في الكفر، لقوله تعالى:وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } [آل عمران: 176].

و " الإهْطَاعُ ": الإسراعُ.

قال الأخفش: " مُهْطعيْنَ " ، أي: مُسرِعيْنَ، قال: [الوافر]
4867 - بِمكَّةَ أهْلُهَا ولقَدْ أرَاهُمْ   إليْهِ مُهْطِعينَ إلى السَّماعِ
والمعنى: ما بالهُمْ يسرِعُونَ إليْكَ، ويجلسُونَ حولك، ويعملون بما تأمُرهُمْ.

وقيل: ما بالهم يسرعون في التكذيب لك.

وقيل: ما بالُ الذين كفروا يسرعون إلى السَّماع منك ليعيبوكَ ويستهزئوا بك.

وقال عطيةُ: " مُهْطِعيْنَ ": مُعْرضِيْنَ.

وقال الكلبيُّ: ناظرين إليك تعجُّباً.

وقال قتادةُ: مادّين أعناقهم مديمي النظر إليك، وذلك من نظر العدو، وهو منصوبٌ على الحال.

قال القرطبيُّ: نزلت في جميع المنافقين المستهزئين، كانوا يحضرونه - عليه الصلاة والسلام - ولا يؤمنون به، و " قبلك " ، أي: نحوك.

قوله: { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ }.

أي: عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وشماله حلقاً حلقاً وجماعات.

قوله: " عِزيْنَ " ، حالٌ من " الَّذين كَفرُوا ".

وقيل: حال من الضمير في " مُهْطعِينَ " فيكونُ حالاً متداخلة، و " عَن اليَميْنِ " ، يجوز أن يتعلق بـ " عزين "؛ لأنَّه بمعنى متفرقين. قاله أبو البقاء.

وأن يتعلق بـ " مُهْطِعيْنَ " أي: مسرعين عن هاتين الجهتين، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أي: كائنين عن اليمين. قاله أبو البقاء.

و " عَزِيْنَ " جمع عزة، والعِزَة: الجماعة. قال مكيٌّ.

قال مكيٌّ: " وإنما جمع بالواو والنون؛ لأنه مؤنث لا يعقل؛ ليكون ذلك عوضاً مما حذفَ منه ".

قيل: إن أصله: عزهة، كما أنَّ أصل سنة: سنهة، ثم حذفت الهاء، انتهى.

قال شهاب الدين: قوله: لا يعقل سَهْو، لأن الاعتبار بالمدلولِ، ومدلوله - بلا شك - عقلاء. واختلفوا في لام " عِزَة " على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنَّها " واو " من: " عزوته أعزوه " ، أي: نسبته، وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوب إليه، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضموم بعضها إلى بعض.

الثاني: أنَّها " ياء " ، إذ يقال " عَزيتُه " - بالياء - أعزيه بمعنى عزوته، فعلى هذا في لامها لغتانِ.

السابقالتالي
2 3