الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

هذا السياق من هنا إلى آخر السورة في غزوة تبوك، وما كانت وسيلة له من هتك أستار النفاق، وتطهير المؤمنين من عوامل الشقاق. إلا الآيتين في آخرها، وما يتخللها من بعض الحكم والأحكام، على السنة المعروفة في أسلوب القرآن. ومناسبته لما قبله إن المراد قتالهم في تبوك هم الروم وأتباعهم المستعبدون من عرب الشام وكلهم من النصارى الذين نزلت الآيات الأخيرة في حكم قتال اليهود وقتالهم، وبيان حقيقة أحوالهم، وأهمها خروجهم عن هداية دين المسيح عليه السلام، في كل من العقائد والفضائل والأعمال، وكان ذكر النسيء في آخره لما ذكرنا. وإننا نقدم على تفسير الآيات بيان سبب غزوة تبوك وفاء بما وعدنا به فنقول:

غزوة تبوك وسببها

تبوك مكان معروف في منتصف الطريق بين المدينة المنورة ودمشق تقريبا وقالوا أن بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة واللفظ ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث على الأشهر.

قال الحافظ في فتح الباري: وكان السبب فيها (أي الغزوة) ما ذكره ابن سعد وشيخه وغيره قالوا: بلغ المسلمين من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعاً وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب، وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج وأعلمهم بجهة غزوهم كما سيأتي في الكلام على حديث كعب بن مالك.

وروى الطبراني من حديث عمران بن حصين قال كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذي خرج يدعي النبوة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم، فبعث رجلا من عظمائهم يقال له قباد وجهز معه أربعين ألفا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يكن للناس قوة، وكان عثمان قد جهز عيراً إلى الشام فقال يا رسول الله: هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية (أي من الفضة) قال فسمعته يقول: " لا يضر عثمان ما عمل بعدها " وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبد الرحمن ابن حباب نحوه.

وذكر أبو سعيد في (شرف المصطفى) والبيهقي في الدلائل من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم إن اليهود قالوا يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فإنها أرض المحشر وأرض الأنبياء. فغزا تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى من سورة بني إسرائيل:وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } [الإسراء: 76] الآية انتهى وإسناده حسن مع كونه مرسلا. اهـ ما ذكره الحافظ والصحيح المعتمد في السبب هو الأول، وما ندري من هؤلاء اليهود الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا؟ وكان هذا بعد الفراغ من يهود المدينة وإجلائهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد