الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } * { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } * { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } * { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أفرأيتَ الذي تولَّى } أعرض عن الإيمان { وأعطَى قليلاً وأكْدى } أي: قطع عطيته وأمسك، وأصله: إكداء الحافر، وهو أن تلقاه كُدْية - وهي صلابة، كالصخرة - فيمسك عن الحفر. قال ابن عباس: " هو فيمن كفر بعد الإيمان " ، وقيل: في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتّبع رسولّ الله صلى الله عليه وسلم فعيّره بعضُ الكافرين، وقال: تركتَ دين الأشياخ، وزعمتَ أنهم في النار؟ قال: إني خشيتُ عذاب الله، فضمن له إن أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إلى شركه، أن يتحمّل عنه عذاب الله، ففعل ذلك المغرور، وأعطى الذي عاتبه بعضَ ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه. { أعنده علْمُ الغيبِ فهو يَرى } أي: يعلم هذا المغرور أنَّ له حق؟ { أم لم يُنَبَّأُ } يُخْبَر { بما في صُحف موسى } أي: التوراة، { وإِبراهيمَ } أي: وما في صحف إبراهيم { الذي وفَّى } أي: أكمل وأتمّ ما ابتلي به من الكلمات، أو: ما أُمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد اللّهَ عليه. وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفّى به. وعن عطاء بن السائب: عهد ألاَّ يسأل مخلوقاً، فلما قذف في النار قال له جبريل: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. وقال الشيخ المرسي: وفَى بمقتضى قوله: { حسبي الله } وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " وَفَّى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار " وهي صلاة الضحى. وروي: " ألا أخبركم لم سمّى خليلَه " الذي وفَّى " كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: { فسبحان الله حين تُمسون... } إلى { تُظهرون } وقيل: وفَّى سهام الإسلام، وهي ثلاثون، عشرة في التوبة:التَّآئِبُونَ } [التوبة: 112] الخ، وعشرة في الأحزاب:إِنَّ الْمُسْلِمِينَ... } [الأحزاب: 35] وعشرة في المؤمنين: { قد أفلح المؤمنون }. وقيل: وفي حيث أسلم بدنه للنيران، وولده للقربان، وطعامه للضيفان. ورُوي: أنه كان يوم يضيف ضيفاً، فإن وافقه أكرمه، وإلاَّ نوى الصوم، وتقديم موسى لأنَّ صحفه وهي التوراة أكثر وأشهر. ثم فسّر ما في تلك الصُحف فقال: { ألاَّ تَزِرُ وَازرةٌ وِزْرَ أخرى } أي: أنه لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى، بل كل نفس تستقل بحمل وزرها، يقال: وزر يزر إذا اكتسب وِزراً، و " أن " مخففة، وكأنّ قائلاً قال: ما في صحف موسى وإبراهيم؟ فقال: ألاَّ تحمل نفس مثقلة بوزرها وِزرَ نفس أخرى. { وأن ليس للإِنسان إِلا ما سَعَى } هو أيضاً مما في صحف موسى وإبراهيم، وهو بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره، إثر بيان عدم انتفاعه من حيث رفع الضرر عنه به، وأما ما صحّ من الأخبار في الصدقة عن الميت والحج عنه، فلأنه لمَّا نواه عنه كان كالوكيل عنه، فهو نائب عنه.

السابقالتالي
2