الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } وفي قوله سبحانه:فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } [الأنبياء: 90] وظاهر قوله جل شأنه في مريم:إِنَّا نُبَشّرُكَ } [مريم: 7] اعتقاب التبشير الدعاء لا تأخره عنه، وأثر ـ إن بين الدعاء والإجابة أربعين سنة ـ لم نجد له أثراً في " الصحاح " ، نعم ربما يشعر بعض الأخبار الموقوفة أن بين الولادة والتبشير مدة كما سنشير إلى ذلك قريباً إن شاء الله تعالى، والمراد من الملائكة جبريل عليه السلام فإنه المنادي وحده ـ كما أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود ـ وذكر عبد الرحمن بن أبـي حماد أنه كان يقرأ (فناداه جبريل)، فالجمع هنا مجاز عن الواحد للتعظيم، أو يكون هذا من إسناد فعل البعض للكل، وقيل: الجمع فيه مثله في قولك: فلان يركب الخيل ويلبس الديباج، واعترض بأن هذا إنما يصح إذا أريد واحد لا بعينه وهٰهنا أريد المعين فلعل ما تقدم أولى بالإرادة، وقيل: الجمع على حاله والمنادي كان جملة من الملائكة، وقرأ حمزة والكسائي (فناديه) بالإمالة والتذكير. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قال: ذكروا الملائكة ثم تلاإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلٰئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } [النجم: 27] وكان يقرأها ـ فناداه الملائكة ـ ويذكر في جميع القرآن، وأخرج الخطيب عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ كذلك.

{ وَهُوَ قَائِمٌ } جملة حالية من مفعول النداء مقررة لما أشارت إليه الفاء على ما أشرنا إليه، وقوله تعالى: { يُصَلّى } حال من المستكن في { قَائِمٌ } أو حال أخرى من المفعول على القول بجواز تعددها من غير عطف ولا بدلية، أو خبر ثان للمبتدأ على رأي من يرى مثل ذلك، وقيل: الجملة صفة ـ لقائم ـ والمراد بالصلاة ذات الأقوال والأفعال كما هو الظاهر ـ وعليه أكثر المفسرين ـ. وأخرج ابن المنذر عن ثابت قال: الصلاة خدمة الله تعالى في الأرض ولو علم الله تعالى شيئاً أفضل من الصلاة ما قال: { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَٰـئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى } ، وقيل: المراد بها الدعاء والأول يدل على مشروعية الصلاة في شريعتهم { فِى ٱلْمِحْرَابِ } أي في المسجد، أو في موقف الإمام منه، أو في غرفة مريم. والظرف متعلق/ ـ بيصلي ـ أو ـ بقائم ـ على تقدير كون { يُصَلّى } حالاً من ضمير { قَائِمٌ } لأن العامل فيه وفي الحال شيء واحد فلا يلزم الفصل بالأجنبـي كما يلزم على التقادير الباقية كذا قالوا: والذي يظهر أن المسألة من باب التنازع فإن كلاً من { قَائِمٌ } و { يُصَلّى } يصح أن يتسلط على { فِى ٱلْمِحْرَابِ } على أي وجه تقدم من وجوه الإعراب فتدبر.

السابقالتالي
2 3 4 5